ولا خطر على قلب بشر (عَذاباً أَلِيماً) مؤلما هو عذاب النار (مِنْ دُونِ اللهِ) أي غيره (وَلِيًّا) يدفعه عنهم (وَلا نَصِيراً) يمنعهم منه.
المناسبة :
لما أجاب تعالى عن شبهات اليهود وألزمهم الطريق الأقوم ، أردف ذلك بمحاجة النصارى ، وألزمهم الرأي الحق في عيسى ابن مريم.
التفسير والبيان :
ينهى الله تعالى أهل الكتاب عن الغلو والإطراء ، فإن النصارى تجاوزوا الحد في عيسى حتى ألّهوه ، فنقلوه من منزلة النبوة إلى اتخاذه إلها من دون الله ، بل قد غلوا في أتباعه وأشياعه ممن زعم أنه على دينه ، فادعوا فيهم العصمة ، واتبعوهم في كل ما قالوه ، سواء كان حقا أو باطلا. وكذلك اليهود غلوا في تحقير عيسى وإهانته وكفروا به. والمطلوب هو التوسط بين الأمرين ، فلا إفراط بتعظيم عيسى وتقديسه ، ولا تفريط بتحقيره.
يا أهل الكتاب لا تتجاوزوا حدود الله بالزيادة أو النقص في الدين ، ولا تعتقدوا إلا بالحق الثابت بنص ديني متواتر أو برهان عقلي قاطع ، وإياكم ما زعمتم من دعوى الحلول والاتحاد واتخاذ الصاحبة والولد ، ولا تكفروا بعيسى وتبهتوا أمه ، وتحتقروه وتهينوه ، كما فعلت اليهود ، ولا تتغالوا في تعظيم عيسى وتقديسه ، حتى تجعلوه إلها أو ابن الله ، كما زعمت النصارى.
إنما المسيح عيسى ابن مريم البتول الطاهرة القديسة ، رسول الله إلى بني إسرائيل ، أمرهم بأن يعبدوا الله وحده لا شريك له ، ونهاهم عن الشرك والتثليث ، وحثهم على التقوى ، وزهّدهم في الدنيا ، وبشرهم بخاتم النبيين والمرسلين ، كما حكى القرآن عنه : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف ٦١ / ٦].