وهو مكون بكلمة (لكِنْ) التكوينية من غير أب : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس ٣٦ / ٨٢](إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران ٣ / ٤٧]. فكما أن الله قادر على أن يخلق بشرا من غير أب ولا أم وهو آدمعليهالسلام ، أو من غير أم وإنما من أب فقط وهو حواء ، أو بسبب ظاهر معتاد من أب وأم ، قادر على أن يخلق إنسانا من غير أب وهو عيسى عليهالسلام : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران ٣ / ٥٩] وأخبر الله تعالى عن بشرية عيسى وعبوديته لله تعالى فقال : (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنا عَلَيْهِ وَجَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) [الزخرف ٤٣ / ٥٩] والمادة أو الطبيعة بنفسها مخلوقة عاجزة عن خلق غيرها ، فإن الأصل الأول للأشياء المخلوقة كلها هو الله تعالى.
وهو مؤيد أيضا بروح كائنة من الله تعالى ، لا جزءا ولا بعضا منه ، كما فهم المسيحيون ، وإلا لكان كل بشر مخلوق بنفخ الروح من الله من طريق الملك بعضا من الله : (وَسَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ) أي من الله [الجاثية ٤٥ / ١٣]. وتأييده بالروح الأمين ثابت بقوله تعالى : (وَأَيَّدْناهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البقرة ٢ / ٨٧ ، ٢٥٣] ووصف الله المؤمنين أيضا بتأييدهم بروح من الله فقال : (أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ ، وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) [المجادلة ٥٨ / ٢٢].
قال مجاهد : (رُوحٌ مِنْهُ) أي ورسول منه ، أي أنه مخلوق من روح مخلوقة. وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف ، كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله في قوله : (هذِهِ ناقَةُ اللهِ) [الأعراف ٧ / ٧٣] وفي قوله : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) [الحج ٢٢ / ٢٦] وكما روي في الحديث الصحيح : «فأدخل على ربي في داره» أضافها إليه إضافة تشريف ، وهذا كله من قبيل واحد ، ونمط واحد.
وإذا كان الخلق الحقيقي لله تعالى لعيسى وغيره ، فآمنوا بالله الواحد الأحد ، وصدقوا بأن الله واحد أحد ، لا ولد له ولا صاحبة ، واعلموا وتيقنوا بأن