عيسى عبد الله ورسوله ، وآمنوا إيمانا لائقا بكل الرسل دون تفرقة وهو أنهم عبيد الله لهم مهام فوضهم الله بها ، ولا تقولوا : الآلهة ثلاثة : الأب والابن والروح القدس ، أو الله ثلاثة أقانيم كل منها عين الآخر ، وكل منها إله كامل ، ومجموعها إله واحد ، ولا تجعلوا عيسى وأمه مع الله شريكين ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. ففي هذا ترك للتوحيد الخالص الذي جاءت به المسيحية في أصلها الصحيح ، وهو المبدأ الذي دعا إليه عيسى ومن قبله إبراهيم وسائر الأنبياء ، ولا يعقل الجمع بين التثليث والتوحيد ، فهو تناقض ترفضه بداءة العقول ، لذا ندد الله تعالى بالقائلين بالتثليث فقال : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ) [المائدة ٥ / ٧٣] وقال في آخر المائدة : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ) [٥ / ١١٦] وقال في أول المائدة : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) [٧ / ١٧].
(انْتَهُوا) أيها النصارى عن القول بالتثليث ، وقولوا قولا آخر يكن خيرا لكم منه وهو التوحيد الخالص الذي دعا إليه جميع الأنبياء والمرسلين ومنهم عيسى.
(إِنَّمَا اللهُ إِلهٌ واحِدٌ) بالذات ، منزه عن التعدد ، ليس له أجزاء أو أقانيم ، ولا هو مركب من أجزاء ، سبحانه ، أي أنه منزه عن أن يكون له ولد أو شريك ، كما قلتم في المسيح : إنه ابنه أو هو عينه ، فإن أردتم الابن الحقيقي فهذا محال على الله تعالى ؛ لأنه يقتضي كونه أبا أو زوجا ، وإن أردتم الابن المجازي فلا يختص ذلك بعيسى.
ليس لله ولد حقيقة ، بل له كل ما في السموات وما في الأرض ، أي الجميع ملكه وخلقه وجميع ما فيهما عبيده ، وهم تحت تدبيره وتصريفه ، وهو وكيل على كل شيء ، والمسيح من جملة مخلوقاته ، فكيف يكون له منهم صاحبة وولد ؛ لأن الملكية تنافي البنوة ، كما قال تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا