المناسبة :
الآيتان متصلتان بما قبلهما في الكلام عن المنافقين وكفار أهل الكتاب ، فبعد أن حذر الله المؤمنين من عيوبهم وأعمالهم وصفاتهم وأوضح أنهم في الدرك الأسفل من النار ، أبان حكم الجهر بالسوء من القول وإبداء الخير وإخفائه ، حتى لا يفهم المؤمنين مشروعية الجهر بالسوء من القول على الإطلاق ، وفي ذلك إشاعة الفواحش والعيوب ، وإضرار الأمة ، وإنما المشروعية مقيدة في حال الظلم ، كما أن الإسرار بالخير والجهر به سواء.
التفسير والبيان :
يعاقب الله تعالى المجاهر بسوء القول ، أي بذكر عيوب الناس وتعداد سيئاتهم ، لأنه يؤدي إلى إثارة العداوة ، والكراهة والبغضاء ، ويزرع الأحقاد في النفوس ، ويسيء أيضا إلى السامعين ، فيجرئهم على اقتراف المنكر ، وتقليد المسيء ، ويوقعهم في الإثم ، لأن سماع السوء كعمل السوء.
وكذلك الإسرار بسوء القول محرّم ومعاقب عليه ، إلا أن الآية نصت على حالة الجهر ، لأن ضرره أشد ، وفساده أعم وأخطر ، لذا قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النور ٢٤ / ١٩].
ثم استثنى الله تعالى حالة يجوز فيها إعلان السوء من القول : وهي حالة الشكوى من ظلم الظالم لحاكم أو قاض أو غيره ممن يرجى منه رفع ظلامته وإغاثته ومساعدته في إزالة الظلم. والشكوى على الظالم أمر مطلوب شرعا ، إذ لا يحب الله لعباده أن يسكتوا على الظلم ، أو أن يخضعوا للضيم أو أن يقبلوا المهانة ويسكتوا على الذل ، روى الإمام أحمد : «إن لصاحب الحق مقالا». وهذا من قبيل ارتكاب أخف الضررين ودفع أعظم الشرين.