(وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ ..) أي لا يحملنكم بغض قوم قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد ، وذلك عام الحديبية ، على أن تتعدوا حكم الله ، فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا ، بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد (١).
(وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ) : وهو كل خير أمر به الشرع أو نهى عنه من المنكرات ، أو اطمأن إليه القلب ، ولا تتعاونوا على الإثم وهو الذنب والمعصية : وهي كل ما منعه الشرع ، أو حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس. ولا تتعاونوا على التعدي على حقوق الغير. والإثم والعدوان يشمل كل الجرائم التي يأثم فاعلها ، ومجاوزة حدود الله بالاعتداء على القوم. واتقوا الله بفعل ما أمركم به واجتناب ما نهاكم عنه. (إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) لمن عصى وخالف. وإظهار اسم الجلالة هنا في موضع الإضمار لإدخال الروعة والخوف وتربية المهابة في القلوب.
وهذا من جوامع الكلم الشامل لكل خير وشر ومعروف ومنكر مع رقابة الله في السر والعلن.
فقه الحياة أو الأحكام :
هاتان الآيتان تضمنت أصول الإسلام في المعاملات والعلاقات الاجتماعية ، وفيهما من الفصاحة وكثرة المعاني مع قلة الألفاظ ما لا يخفى على أحد.
والآية الأولى تضمنت خمسة أحكام :
١ ـ الأمر بالوفاء بالعقود التي يتعاقد بها الناس ، ووجوب الوفاء بالتكاليف
__________________
(١) وورد تعبير مماثل في آية أخرى هي : وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا ، اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [المائدة ٥ / ٨] أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل ، فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال ، والعدل : به قامت السموات والأرض ، والعدل أقرب للتقوى.