وقال الشافعي : كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء ، قلّ أو كثر من دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك ، قسم ؛ إلا الرجال البالغين ، فإن الإمام مخير فيهم بين أن يمنّ أو يقتل أو يسبي ، واستدل بعموم هذه الآية ، وقال : والأرض مغنومة لا محالة ، فوجب أن تقسم كسائر الغنائم ، وقد قسم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ما افتتح عنوة من خيبر. ولو جاز أن يدّعى الخصوص في الأرض ، جاز أن يدّعى في غير الأرض ، فيبطل حكم الآية. وأما آية (الحشر) فلا حجة فيها ؛ لأن ذلك إنما هو في الفيء لا في الغنيمة. وقوله تعالى :(وَالَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ) استئناف كلام بالدعاء لمن سبقهم بالإيمان ، لا لغير ذلك. وفعل عمر في وقف الأرض المفتوحة إما أن يكون ما وقفه فيئا ، فلم يحتج إلى مراضاة أحد ، وإما أن يكون غنيمة استطاب أنفس أهلها ، وطابت بذلك فوقفها ، روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها ، وكذلك صنع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في سبي هوازن ، لما أتوه استطاب أنفس أصحابه عما كان في أيديهم.
وقال الحنفية : يخير الإمام في قسمة الأرض ، أو إقرارها بيد أهلها ، وتوظيف الخراج عليها ، وتصير ملكا لهم كأرض الصلح.
وأما السّلب : فهو في رأي مالك وأبي حنيفة والثوري ، ليس للقاتل ، وحكمه حكم الغنيمة ، إلا أن يقول الأمير : من قتل قتيلا فله سلبه ، فيكون حينئذ له ، أي أن هذا القول تصرف من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق الإمامة والسياسة ، فيحتاج إلى إذن متجدد من الحاكم.
وذهب الليث والأوزاعي والشافعي وآخرون إلى أن السلب للقاتل على كل حال ، سواء قاله الإمام أو لم يقله ، لكن يستحقه القاتل في رأي الشافعي إذا قتل قتيلا مقبلا عليه ، غير مدبر عنه ، أي أن هذا القول صادر من النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بطريق التبليغ للوحي أو النبوة ، فلا يحتاج إلى إذن أصلا من الحاكم.