ـ وأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم عن أم سلمة قالت : لما نزلت هذه الآية : (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَ) خرج نساء الأنصار ، كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة ، وعليهن أكسية سود يلبسنها.
والمقصود بالآية التي نزلت بعد استقرار الشريعة أن يكون الستر المأمور به زائدا على ما يجب من ستر العورة ، وهو أدب حسن يبعد المرأة عن مظان التهمة والريبة ، ويحميها من أذى الفساق.
واللباس الشرعي : هو الساتر جميع الجسد ، الذي لا يشف عما تحته ، فإن كانت المرأة في بيتها وأمام زوجها فلها أن تلبس ما تشاء.
(ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ ، وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) أي إن إدناء الجلابيب أو التستر أقرب أن يعرفن أنهن حرائر ، لسن بإماء ولا عواهر ، فلا يتعرّض لهن بالأذى من أهل الفسق والريبة ، وكان الله غفورا لما سلف منهن من إهمال التستر ، ولمن امتثل أمره إذا أخل بالتستر خطأ بغير قصد ، واسع الرحمة بعباده حيث راعى مصالحهم وأرشدهم إلى هذا الأدب الحسن.
أما الإماء فلم يكلفهن الشرع بالتستر الكامل دفعا للحرج والمشقة في التقنع ، وتيسيرا لهن القيام بخدمات السادة. هذا رأي الجمهور. وقال أبو حيان : والظاهر أن قوله : (وَنِساءِ الْمُؤْمِنِينَ) يشمل الحرائر والإماء ، والفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرفهن ، بخلاف الحرائر ، فيحتاج إخراجهن ـ أي الإمام ـ من عموم النساء إلى دليل واضح (١).
__________________
(١) البحر المحيط : ٧ / ٢٥٠