التوراة ، وكتابة الإنجيل كتابة متأخرة عن تاريخ نزوله على السيد المسيح عليهالسلام. فإن فرض ثبوت شيء من شرائع من قبلنا ، فلا خلاف في أن الله تعالى جعل الشريعة واحدة في أصولها في التوحيد ومكارم الأخلاق ومصالح الناس ، وإنما خالف بينها في الفروع الجزئية لا في الأصول حسبما تقتضي المصلحة في علم الله تعالى.
٤ ـ قال ابن العربي المالكي الذي يرى كغيره من المالكية أن شرع من قبلنا شرع لنا : ظن بعض من يتكلم في العلم (١) أن هذه الآية : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ) دليل على أن شرع من قبلنا ليس بشرع لنا ، لأن الله تعالى أفراد النبي صلىاللهعليهوسلم وأمته في هذه الآية بشريعة ، ولا ننكر أن النبي صلىاللهعليهوسلم وأمته منفردان بشريعة ، وإنما الخلاف فيما أخبر النبي صلىاللهعليهوسلم عنه من شرع من قبلنا في معرض المدح والثناء ، هل يلزم اتباعه أم لا؟ ولا إشكال في لزوم ذلك (٢).
٥ ـ إن القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على قلب نبيه براهين ودلائل ومعالم للناس في الحدود والأحكام ، بمنزلة البصائر في القلوب ، كما جعل في سائر الآيات روحا وحياة ، وهو هدى من الضلالة ، ورشد وطريق يؤدي إلى الجنة ، ورحمة من العذاب في الآخرة لمن آمن واتقى.
جعلنا الله تعالى من القائمين بشرعه ، المهتدين بهديه ، المخلصين في اتباع أمره ونهيه ، الظافرين بفضل الله ورحمته في الآخرة والدنيا.
__________________
(١) وهو رد على الشافعية الذين يرون أن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا لقوله تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً) ولهذه الآية.
(٢) أحكام القرآن : ٤ / ١٦٨٢