القيامة ، عظّم الله عزوجل أمر القرآن الذي يعلم منه هذا البيان ، ونبّه إلى عظمة منزّل القرآن ذي الأسماء الحسنى الذي انقادت السموات والأرض لحكمه وأمره ونهيه ، وتنزه عن النقائص.
التفسير والبيان :
(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) أي لقد بلغ من شأن القرآن وعظمته وبلاغته واشتماله على المواعظ التي تلين لها القلوب ، أنه لو أنزل على جبل من الجبال ، وجعل له عقل كما جعل للبشر ، لرأيت الجبل ، مع كونه في غاية القسوة وشدة الصلابة ، خاشعا خاضعا متذللا منقادا ، متشققا من خوف الله ، حذرا من عقابه ، وخوفا من عدم أداء ما يجب عليه من تعظيم كلام الله تعالى.
وهذا تعظيم لشأن القرآن ، وتمثيل لعلو قدره وشدة تأثيره على النفوس ، لما فيه من المواعظ والزواجر ، ولما اشتمل عليه من الوعد الحق والوعيد الأكيد ، فإذا كان الجبل في غلظته وقساوته ، لو فهم هذا القرآن لخشع وتصدع من خوف الله عزوجل ، فكيف يليق بكم أيها البشر ألا تلين قلوبكم وتخشع وتتصدع من خشية الله ، وقد فهمتم عن الله أمره وتدبرتم كتابه ، ولهذا قال تعالى :
(وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ، لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) أي وهذه الأمثال المذكورة نضربها لجميع الناس ، لعلهم يتفكرون فيما يجب عليهم التفكر فيه ليتعظوا بالمواعظ ، وينزجروا بالزواجر ، وقد قال تعالى : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ ، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ ، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى) الآية [الرعد ١٣ / ٣١] أي لكان هذا القرآن. وثبت في الحديث المتواتر أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، لما عمل له المنبر ، وقد كان يوم الخطبة يقف إلى جانب جذع من جذوع المسجد ، فلما وضع المنبر أول ما وضع ، وجاء النبي صلىاللهعليهوسلم ليخطب ، فجاوز الجذع إلى نحو المنبر ، فعند