ذلك حنّ الجذع ، وجعل يئن كما يئن الصبي الذي يسكّت ، لما كان يسمع من الذكر والوحي عنده.
والمراد بالآية التنبيه على قساوة قلوب هؤلاء الكفار ، وغلظ طباعهم ، وتوبيخ الإنسان على عدم تخشعه عند تلاوة القرآن ، فإذا كانت الجبال الصم لو سمعت كلام الله وفهمته ، لخشعت وتصدعت من خشيته ، فكيف بكم وقد سمعتم وفهمتم؟!!
ثم عظم الله تعالى شأن القرآن بوجه آخر ، وهو التنبيه على أوصاف منزّله فقال :
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ، هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) أي إن الله منزل القرآن ، هو الذي لا إله إلا هو ، فلا رب غيره ، ولا إله للوجود سواه ، وكل ما يعبد من دونه فباطل ، وأنه عالم ما غاب عن الإحساس وما حضر ، يعلم جميع الكائنات المشاهدات لنا والغائبات عنا ، فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، من جليل وحقير ، وصغير وكبير ، في الذرّ (النمل الأسود) في الظلمات ، وأنه ذو الرحمة الواسعة الشاملة لجميع المخلوقات ، فهو رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ، قال تعالى : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) [الأعراف ٧ / ١٥٦] وقال سبحانه : (كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) [الأنعام ٦ / ٥٤].
ثم ذكر الله تعالى أوصافا أخرى لنفسه ، فقال :
(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ ، الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ، سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أكد تعالى صفة الوحدانية مرة أخرى ، وكرر ذلك للتأكيد والتقرير في مطلع هذه الآية كالتي قبلها ، فهو تعالى الإله الواحد الذي لا شريك له ، المالك لجميع الأشياء ، المتصرف فيها ، بلا ممانع