قتادة : لا تظهرهم علينا ، فيفتنونا بذلك ، يرون أنهم إنما ظهروا علينا لحق هم عليه. وقال مجاهد : معناه : لا تعذبنا بأيديهم ، ولا بعذاب من عندك ، فيقولوا : لو كان هؤلاء على حق ما أصابهم هذا.
ثم أكد الله تعالى الحث على التأسي بإبراهيم والمؤمنين معه ، فقال :
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ، وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) أي لقد كان لكم في إبراهيم والذين معه قدوة حسنة ، وهذه الأسوة إنما تكون لمن يطمع في الخير والثواب من الله في الدنيا والآخرة ، ويتأمل النجاة في اليوم الآخر ، وهذا تهييج إلى الإيمان لكل مؤمن بالله وبالمعاد. ومن يعرض عما أمر الله تعالى به ، ويوال أعداء الله ، ويوادهم ، فإنه لا يضر إلا نفسه ، فإن الله هو الغني عن خلقه ، الذي قد كمل في غناه ، المحمود من خلقه في جميع أقواله وأفعاله ، لا إله غيره ، ولا رب سواه. والحميد : إما بمعنى الحامد أي يحمد الخلق ويشكرهم حيث يجزيهم بالكثير من الثواب عن القليل من الأعمال ، أو بمعنى المحمود ، أي الذي يستحق الحمد من خلقه بما أنعم عليهم.
ونظير الآية قوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ، فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم ١٤ / ٨].
ثم أخبر الله عن أموره العجيبة في تحول الكافرين إلى مؤمنين ، فقال :
(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ، وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي ربما أسلم أعداؤكم ، وصاروا من أهل دينكم ، فتحولت العداوة إلى مودة ، والبغضاء إلى محبة ، والفرقة والمخالفة إلى ألفة ، والله قادر على كل شيء ، وغفور لمن أخطأ ، فوادّهم ، رحيم بهم فلم يعذبهم بعد التوبة ، ويقبلهم ليدخلهم في مغفرته ورحمته. وكلمة (عَسَى) لرجاء حصول ما بعدها ، لكن إذا صدرت من الله ، كان ما بعدها واجب الوقوع.