وقد أسلم أكثر العرب بعد فتح مكة ، وحسن إسلامهم ، وانعقدت مودة قوية بينهم وبين من تقدمهم في الإسلام ، وجاهدوا وقاموا بالأفعال المقرّبة إلى الله تعالى ، وتزوّج النبي صلىاللهعليهوسلم بأم حبيبة بنت أبي سفيان ، وترك أبو سفيان بعد إسلامه يوم الفتح ما كان عليه من العداوة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال : أوّل من قاتل أهل الردة على إقامة دين الله أبو سفيان بن حرب ، فيه نزلت هذه الآية : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ ...).
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يأتي :
١ ـ جعل الله إبراهيم الخليل عليهالسلام أسوة حسنة وقدوة عالية للمؤمنين في التبرؤ من الكفار ، فعلى من آمن بالله ورسوله الاقتداء به إلا في استغفاره لأبيه ، فلا يتأسون به في الاستغفار للمشركين ، فإن استغفاره كان عن موعدة منه له.
٢ ـ صرح إبراهيم ومن آمن معه بسبب البراءة من الكفار وهو كفرهم بالله وإيمانهم بالأوثان ، وستظل العداوة والبغضاء قائمة في القلوب على الدوام بين المؤمنين وغيرهم ما دام هؤلاء الكفار على كفرهم ، حتى يعلنوا إيمانهم بالله وحده لا شريك له ، فحينئذ تنقلب المعاداة موالاة.
٣ ـ قوله تعالى : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ : لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) يدل على تفضيل نبينا عليه الصلاة والسلام على سائر الأنبياء ، لأن الله حين أمرنا بالاقتداء به أمرنا أمرا مطلقا في قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر ٥٩ / ٧] وحين أمرنا بالاقتداء بإبراهيم عليهالسلام ، استثنى بعض أفعاله.