أي إن الامتحان أمر في الظاهر فقط ، أما في الحقيقة والواقع ، فلا يعلم حقيقة حالهن إلا الله سبحانه ، والله أمركم بالظواهر ، وهو يتولى السرائر ، فإن غلب على ظنكم أنهن مؤمنات بحسب الظاهر بعد الامتحان الذي أمرتم به ، فلا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين الكافرين. وإنما سمّي الظن علما من باب الظن الغالب ، وما يفضي إليه الاجتهاد ، والقياس جار مجرى العلم.
قال ابن كثير : فيه دلالة على أن الإيمان يمكن الاطّلاع عليه يقينا.
ثم أردف الله تعالى ذلك بأحكام أخرى تتعلق بهن ، فقال :
١ ـ (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) أي ليست المؤمنات حلالا للكفار ، وإسلام المرأة يوجب فرقتها من زوجها ، لا مجرد هجرتها ، وليس الكفار حلالا للمؤمنات. وهذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين ، وقد كان جائزا في ابتداء الإسلام أن يتزوج المشرك المؤمنة ، ولهذا كان أبو العاص بن الربيع زوج ابنة النّبي صلىاللهعليهوسلم زينب رضياللهعنها ، وقد كانت مسلمة ، وهو على دين قومه ، فلما وقع في الأسارى يوم بدر ، بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادة لها ، كانت لأمها خديجة ، فلما رآها رسول الله صلىاللهعليهوسلم رقّ لها رقة شديدة ، وقال للمسلمين : «إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا».
فأطلقه رسول الله صلىاللهعليهوسلم على أن يبعث ابنته إليه ، فوفى له بذلك ، وصدقه فيما وعده ، وبعثها إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم مع زيد بن حارثة رضياللهعنه ، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدر سنة اثنتين ، إلى أن أسلم زوجها أبو العاص بن الربيع سنة ثمان ، فردها عليه بالنكاح الأول ، ولم يحدث لها صداقا (١) ، كما قال الإمام أحمد عن ابن عباس : «إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ردّ ابنته زينب على
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٤ / ٣٥١