فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على الأحكام التالية :
١ ـ وجوب امتحان النسوة اللاتي هاجرن من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام ، ليعرف مدى صدق إيمانهن وإخلاص إسلامهن. قال ابن عباس : كانت المحنة أن تستحلف بالله أنها ما خرجت من بغض زوجها ، ولا رغبة من أرض إلى أرض ، ولا التماس دنيا ، ولا عشقا لرجل منّا ، بل حبّا لله تعالى ولرسوله صلىاللهعليهوسلم. فإذا حلفت بالله الذي لا إله إلا هو على ذلك ، أعطى النبي صلىاللهعليهوسلم زوجها مهرها وما أنفق عليها ولم يردها ، فذلك قوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ ، فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ، لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ ، وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ).
٢ ـ أكثر العلماء على أن هذا ناسخ لما كان صلىاللهعليهوسلم عاهد قريشا في صلح الحديبية ، من أنه يرد إليهم من جاءه منهم مسلما ، فنسخ من ذلك النساء. وهذا مذهب من يرى نسخ السنة بالقرآن. ويرى بعضهم أن الآية نزلت بيانا لنص العقد ، وأنه ما تناول إلا الرجال ، غير أن هذا يكون من تخصيص العام المتأخر. وذهب جماعة إلى أن التعميم في عقد الصلح لم يكن من طريق الوحي ، بل كان اجتهادا منه صلىاللهعليهوسلم أثيب عليه بأجر واحد ، وجاءت هذه الآية بعدم إقراره على هذا الاجتهاد. والتعميم الوارد في الصلح : «من جاء إلى محمد من قريش بدون إذن وليه ، رده عليه» (١).
ويرى الحنفية أن هذا الحكم كله منسوخ في الرجال والنساء ، ولا يجوز أن يهادن الإمام العدو على أن يرد إليهم من جاءه مسلما ، لأن إقامة المسلم بأرض الشرك لا تجوز ، واستدلوا بقوله صلىاللهعليهوسلم : «أنا بريء من كل مسلم أقام مع مشرك في دار الحرب لا تراءى ناراهما» أي تتراءى ناراهما ، وهذا مجاز ، أي يلزم المسلم أن
__________________
(١) نص المعاهدة كما أخرج البخاري عن مروان والمسور : «أنه لا يأتيك أحد منا ، وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ..» (نيل الأوطار : ٨ / ٣٧).