الصدقة ، فلا حرج عليه في النجوى بدون صدقة ، وقد رخص الله لكم في المناجاة بلا تقديم صدقة ، لأن المأمور بها هو القادر عليها الغني.
وظاهر الآية يدل على أن تقديم الصدقة كان واجبا ، لأن الأمر للوجوب ، ويتأكد ذلك بقوله في آخر الآية : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن ذلك لا يقال إلا لترك الوجوب.
وقال بعضهم : إن الأمر هنا للندب والاستحباب ، بقرينة (ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ) وهذا إنما يستعمل في التطوع لا في الفرض ، ولأنه لو كان ذلك واجبا لما أزيل وجوبه بكلام متصل به ، وهو : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا). والجواب : أن الواجب يوصف أيضا بأنه خير وأطهر كالمندوب ، وأنه لا يلزم من كون الآيتين متصلتين في التلاوة ، كونهما متصلتين في النزول ، فتكون آية (أَأَشْفَقْتُمْ) ناسخة للوجوب الذي ثبت بالأمر.
وأنكر أبو مسلم الأصفهاني وقوع النسخ ، وقرر أن الأمر بتقديم الصدقة على النجوى لتمييز المؤمن المخلص من المنافق ، فلما تحقق الغرض ، انتهى الحكم ، أي أن ذلك التكليف كان مقدرا بغاية مخصوصة ، فوجب انتهاؤه بانتهاء تلك الغاية ، فلا يكون هذا نسخا. قال الرازي : وهذا الكلام حسن ما به بأس ، والمشهور عند الجمهور أنه منسوخ بقوله : (أَأَشْفَقْتُمْ).
ثم رفع الله تعالى الحكم السابق ، فقال :
(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ؟) أي أخفتم تقديم الصدقات ، لما فيه من إنفاق؟ قال مقاتل : إنما كان ذلك عشر ليال ثم نسخ. وقال الكلبي : ما كان ذلك إلا ليلة واحدة.
(فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ