ومن مظاهر قدرة الله تعالى وحكمته ما قال سبحانه :
(هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) أي إنه سبحانه هو الذي قضى بإخراج يهود بني النضير من ديارهم في المدينة ، في الحشر الأول ، أي الجمع والإخراج والجلاء ، فكان جلاؤهم أول حشر من المدينة ، وآخر حشر إجلاء عمر لهم من خيبر إلى الشام.
(ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ) أي ما توقعتم أيها المسلمون أن بني النضير يخرجون من ديارهم ، لعزتهم ومنعتهم ، وكانوا أهل حصون مانعة ، وعقار ونخيل واسعة ، وأهل عدد وعدة ، وفي هذا بيان عظمة النعمة ، وتوقعوا أن حصونهم تمنعهم من بأس الله ، وألا يتعرضوا لسوء.
(فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أي جاءهم أمر الله وبأسه وعقابه من جهة لم تخطر لهم ببال ، وهو أنه سبحانه أمر نبيه صلىاللهعليهوسلم بقتالهم وإجلائهم ، وكانوا لا يظنون مثل هذا الحدث ، بل كانوا يرون أنفسهم أعزّ وأقوى ، وألقى الله الخوف الذي يملأ الصدر ، قال صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه الشيخان والنسائي عن جابر : «نصرت بالرعب مسيرة شهر».
(يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) أي لما أيقنوا بالجلاء ، دمّروا منازلهم من الداخل لكيلا يستفيد منها المسلمون ، ودمرها المؤمنون من الخارج ، قال الزهري وعروة بن الزبير : لما صالحهم النبي صلىاللهعليهوسلم على أن لهم ما أقلّت الإبل ، كانوا يستحسنون الخشبة أو العمود ، فيهدمون بيوتهم ، ويحملون ذلك على إبلهم ، ويخرب المؤمنون باقيها.
(فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) فاتعظوا أيها العقلاء بما حدث ، واعلموا أن الله يفعل مثل ذلك بمن غدر وخالف أمر الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوسلم.