(وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ ، لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ، وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ) أي ولولا أن قضى الله عليهم بالخروج والجلاء من أوطانهم على هذا النحو المهين ، لعذبهم بالقتل والسبي في الدنيا ، كما فعل ببني قريظة سنة خمس للهجرة ، بعد غزوة الخندق ، وكما فعل مع المشركين يوم بدر في السنة الثانية ، ومع يهود بني قينقاع وإجلائهم عن المدينة عقب معركة بدر ، ولهم في القيامة عذاب شديد في جهنم.
أما سبب إجلائهم في التاريخ : فهو أن النّبي صلىاللهعليهوسلم خرج مع عشرة من أصحابه ، منهم أبو بكر وعمر وعلي ، إلى بني النضير يسألهم المعونة في دية قتيلين قتلهما أحد المسلمين خطأ ، وهما من بني عامر حلفائهم ، فقد كان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف. فوعدوا خيرا في الظاهر ، وأضمروا الغدر والاغتيال ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قاعدا إلى جنب جدار من بيوتهم ، فتآمروا على قتله على يد عمرو بن جحاش بن كعب اليهودي ، بإلقاء صخرة عليه من فوق السطح ، مكان جلوسه بجوار الجدار.
فأطلعه الله تعالى بالوحي على مؤامرتهم ، فقام ورجع إلى المدينة ، وأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتهيؤ لحربهم والسير إليهم وإجلائهم من المدينة ، وعاد إليهم في شهر ربيع الأول سنة أربع للهجرة ، فحاصرهم ست ليال ، وقذف الله في قلوبهم الرعب ، وسألوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجليهم ، ويكفّ عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا السلاح ، فقبل. ثم خرج بعضهم إلى خيبر ، وبعضهم إلى الشام.
وفي أثناء الحصار أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بقطع نخلهم وإحراقه ، حتى لا يبقى لهم تعلق بأموالهم ، ونادوا يا محمد : قد كنت تنهى عن الفساد ، وتعيب من يصنعه ، فما بال قطع النخل وتحريقها؟! فنزل قوله تعالى كما تقدم : (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها ..) الآية.