رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يجليهم ، ويكفّ عن دمائهم ، ففعل ، فكان الرجل منهم يهدم بيته ، فخرجوا إلى خيبر ، ومنهم من سار إلى الشام.
ثم أكد الله تعالى تكذيبهم مفندا على سبيل التفصيل مواقفهم الخادعة ، فقال :
(لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ ، وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ ، وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ، ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) أي وتالله لئن أخرج يهود بني النضير من ديارهم ، لا يخرج معهم المنافقون ، ولئن قاتلهم المؤمنون لا يقاتلون معهم ، ولئن آزروهم وقاتلوا معهم لفرّوا هاربين منهزمين ، ثم لا يصير المنافقون واليهود منصورين بعد ذلك ، بل يذلهم الله ويخذلهم ، ولا ينفعهم نفاقهم. ونظير الآية قوله تعالى : (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ ، وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا ، وَهُمْ مُعْرِضُونَ) [الأنفال ٨ / ٢٣].
وكان الواقع مطابقا لما أخبر به القرآن ، فإن المنافقين لم يخرجوا مع من أخرج من اليهود ، وهم بنو النضير ومن معهم ، ولم ينصروا اليهود الذين قوتلوا ، وهم بنو قريظة وأهل خيبر ، ثم بشر الله تعالى بنصر المؤمنين على كلا الفريقين : المنافقين واليهود ، وتحقق وعد الله ، وتطهرت جزيرة العرب من اليهود بفضل من الله وتوفيقه.
وسبب عدم نصرتهم لليهود ما قال تعالى :
(لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللهِ ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) أي إنكم أيها المسلمون أشد خوفا وخشية في صدور المنافقين أو في صدور اليهود من رهبة الله ، فهم يخافون منكم أكثر من خوفهم من الله ، وذلك الخوف بسبب أنهم قوم لا يعلمون قدر عظمة الله حتى يخشوه حق خشيته ، ولو كان لهم فقه لعلموا أن الله سبحانه أحق بالرهبة منه دونكم.