ونظير الآية قوله تعالى : (إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً) [النساء ٤ / ٧٧].
ثم ذكر تعالى أسلوب اليهود والمنافقين في مقاتلة المؤمنين ، فقال :
(لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ) أي إن اليهود والمنافقين من جبنهم وهلعهم لا يواجهون جيش الإسلام بالمبارزة والمقابلة ، ولا يقاتلونهم مجتمعين ، بل يقاتلونهم إما وراء الحصون والدروب والخنادق ، أو من خلف الأسوار والحيطان التي يستترون بها ، لجبنهم ورهبتهم ، فيقاتلون للدفاع عنهم ضرورة ، وقد لمس العرب هذا الأسلوب في حروب اليهود في فلسطين في عصرنا.
(بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ، تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) أي إن عداوتهم وجربهم فيما بينهم شديدة ، وقاسية ، تظنهم متوحدين وهم متفرقون ، فاجتماعهم إنما هو في الظاهر ، مع اختلاف نواياهم وأهوائهم وآرائهم وشهاداتهم في الواقع ، لما بينهم من أحقاد وعداوات ، ولأنهم قوم لا يعقلون الحق وأمر الله ، ولا يدركون سر النجاح في الحياة وهو الوحدة ، ولو عقلوا لعرفوا الحق واتبعوه ، فتوحدوا ولم يختلفوا.
وهذا دليل على أن ضعفهم ناشئ من التفرقة والخلاف ، فجدير بالمسلمين الذين يقاتلونهم في هذا العصر أن يكونوا متوحدين صفا واحدا كالبنيان المرصوص ، وأن يعتمدوا على أنفسهم دون التماس حلول واهنة ضعيفة من شرق أو غرب.
ثم ذكر الله تعالى أحوالا مشابهة لهم ، فقال :
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ، قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ ، وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي إن هؤلاء اليهود بني النضير أصابهم مثل ما أصاب كفار قريش يوم بدر ، في السنة