(٥٣ : ٤٤) ، لا الذي قبل الحياة فإنه كائن قبلها دون خلق ، ولم يذكر إلا في آية واحدة : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢ : ٢٨).
ثم إن بلوى الإنسان ليس بالموت قبل الحياة ، إذ لا يشعره قبلها ، وإنما حالها ، بما يعلم انه يدركه لا محالة ، فليهيئ له نفسه ، وبعدها كذلك ، ليذوق ألم الحسرة : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) فليحسن عمله في حياة التكليف ، ليحيى فيها وبعد الموت في حياة الخلود حياة طيبة.
إن التسابق في الأعمال الحسنة هو الهدف لهذه الازدواجية من الموت والحياة ، وليست الحياة فقط هي الباعثة لهذا التسابق ، وإنما التي معها الموت علما ، وبعدها واقعا ، ومهما أنكر الإنسان حياة الحساب بعد الموت ، الذي لا ينكره أحد ، ولكن احتمال الحساب بعد قائم لا يمحى ، فليحسب العاقل له حسابا ، وكما يحسب كل تاجر حسابات في احتمالات الفائدة والضرر ، ولأن الموت يحمل هذه الذكرى الضرورية ، والبلوى العالية ، تقدّم هنا على الحياة رغم تأخره في غيرها من الآيات ، إلا الذي هو قبل الحياة وليس فيه بلوى! (كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ).
(أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) والعمل هنا يعم عمل القلب ـ وهو أولى ـ وعمل القالب ـ وهو أدنى ـ لأن القالب يتبع القلب ويتّبعه في عمله ، وليس كذلك القلب ، مهما تأثر هو بالقالب في خيره وشره.
ثم العمل منه حسن ومنه أحسن ، كما أن منه سيّئ ومنه أسوء ، والغاية القصوى من بلوى الموت والحياة الوصول إلى واقع العمل الأحسن قلبا وقالبا ، وهو الذي يبتغى به وجه الله كأعمال المقربين ، ودونه الأبرار الذين يريدون الآخرة ، فعملهم حسن ، كما أن الأسوء هو أعمال الكافرين الذين توافق سيئاتهم نياتهم.