بالأحرى : جماعات متصبرين عليك في شخوصهم إليك بأبصارهم ، متفرقين في تصاميمهم السامة ضدك ولأن مبادئهم الضالة متضادة على ضلالها! ومتفرقين في تجمعاتهم حسب عادة الجاهلية.
وقد يطمع كل امرئ منهم ـ على كفره ـ أن يدخل جنة نعيم ، أرجاء أن لو كانت واقعا ، أو استهزاء بالرسول والذين آمنوا معه ، والهزء هنا يلمح من التنديد بنكرانهم حياة الحساب : (كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ)!
(أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ) : تلمح الآية أنهم طمعوا ، ولكونهم كافرين نلمح انه طمع استهزاء ، وقد ورد انهم كانوا يقولون : إن كان الأمر على ما قال محمد فان لنا في الآخرة عند الله أفضل مما للمؤمنين كما أعطانا في الدنيا أفضل مما أعطاهم فلقد كان طمعا منهم هازئا ، لا رجاء بإيمان وتصديق.
(كَلَّا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) : كلا : لا يدخل امرؤ منهم جنة نعيم ، كلا : وليس كما يزعمون أن لا حياة بعد الموت ولا حساب ، ف (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) : من نطفة قذرة لم تكن شيئا مذكورا ، فخلقناهم منها في أحسن تقويم ، وليس بعثهم أصعب من خلقهم أول مرة ، بل هو أهون : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٥٠ : ١٥).
ولقد قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآيات ثم تفل على كفه ووضع عليها إصبعه وقال : يقول الله : ابن آدم! أنى تعجزني؟ وقد خلقتك من مثل هذا حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين ، وللأرض مثل وئيد ، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة!» (١).
(فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) : لا حاجة إلى القسم ، وحتى برب المشارق والمغارب ،
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٦٧ ـ اخرج البيهقي في شعب الايمان عن بشير قال : قرء رسول الله (ص) هذه الآية ..