فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (٥٢ : ٤٨) لا صبر المسايرة والطاعة لهم والانفلات عن الدعوة : (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٧٦ : ٢٤).
وأخيرا الصبر عليهم نظرة النقمة الإلهية على الصامدين منهم في الكفر : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً. إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً. وَنَراهُ قَرِيباً) (٧٠ : ٦).
فالصبر منه جميل ، كهذه ، ومنه قبيح : كالصبر على هدر الأموال والنفوس وانتهاك الدين والناموس وجاه الظالمين ، والصبر على نقص الدعوة وانتفاضها عن المدعوين والصبر على الظلم والضيم ، والصبر على ما للإنسان أن يدافع عنه : وإنما عليه الصبر الجميل والهجر الجميل والكلام الجميل والسكوت الجميل والنصيحة الجميلة التي تضم كل جميل في الدعوة ، وليس الهجر الجميل إلا هجرا عن الهجر والتنكيل حتى يحكم الله ، والهجر في تقولاتهم اللاذعة ، عن المقابلة بالمثل ، ولا خروجا عنهم وعن دعوتهم.
إن الرسول الأقدس (ص) لم يكن ليحارب المكذبين بداية الدعوة ، لقلة العدد والعدّة ، ولما تكمل الدعوة! ولذلك أمر بتأجيل الجهاد إلى زمن الهجرة ، حين تكمل العدة والعدة : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) (١٠ : ١٠٩) وقد حكم الله بالجهاد منذ الهجرة ، وحكم على الكافرين بالنار منذ الموت وليوم القيامة ، ولقد كانت أخلاقه (ص) جميلة مع الناس كافة على طول الخط ، لحد يعفو عن الكفار عند فتح مكة المكرمة وهم في قبضته علهم يؤمنون ، أو يندمون على ما فعلوا وافتعلوا.
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) الذين يزدادون تكذيبا لأنهم مترفون :والنّعمة هي التنعم مرة ، وهي هنا الحياة الدنيا ، والنّعمة هي الحالة الحسنة الشاملة للحياتين (كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ. كَذلِكَ وَأَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ) (٤٤ : ٣٨) ذلك لأنهم (بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ) وهذا هو تبديل النّعمة نعمة عليهم ونقمة (جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) ذرني وإياهم ، فأنا حسبهم.