كما جمع ، وأجمعوا على قراءة واحدة هي المتواترة عن النبي (ص) فرضيها المسلمون أجمع ، ولكي يبقى القرآن وحيا خالصا حتى في قراءته ، فلا يبقى مجال للاختلاف فيه ، لذلك فنحن المسلمين لا نعتمد على سائر القراءات المخالفة للمتواتر المسجل في القرآن ، لا سيما إذا خلفت اختلاف المعنى.
وما اختلاق نسبة أصل التأليف والجمع إلى غير النبي (ص) إلا توهينا للرسالة المحمدية ، ووهنا لكيان القرآن ، وترفيعا لشأن من نسبوا إليه هكذا أجمع!.
كلا! إن القرآن كما هو الآن ، كله إلهي : من معانيه وألفاظه وترتيب آياته وقراءته ، وسوره وأسماءها : ازدواجية الوحي ، دون تدخل لغير الله في أيّ من هذه ، ولا من الرسول نفسه إلا بالوحي.
وان قصة الجمع المزيفة ، غير الإلهي ، مما تذرّعها المتقولون عن التحريف ، ضعف الطالب والمطلوب!.
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) بيان للقرآن المحكم بالقرآن المفصل ، وبيان بجمع الآيات كما الآن ، فان الجمع يساعد على تفهم المفردات ، وبيان لكل آية بنظيراتها وإن كانت في غير جمعها ، وبيان بوحي السنة المفسرة للقرآن ، ازدواجية البيان بازدواجية وحي السنة والقرآن وكما تجدها في تفسيرنا «الفرقان» ، فقد تكفل الله تكفلا مطلقا بشأن القرآن ، مجملا وتفصيلا وجمعا وحفظا وبيانا ، ثم ليس للرسول ولا عليه إلا تلاوته للناس وبيانه كما بين له ، وتطبيقه كذلك ، وإن لتسجيل هذه المهمة الكبرى في وحي القرآن ، قيمته في تعميق إيحاءاته للناس أجمعين.
(كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ) : هنا رجعة ـ بعد تحكيم وحي القرآن بهذه الجمل المعترضة ـ رجعة إلى التنديد بالإنسان الناكر لرجعته حيا بعد الموت : ان من بواعثه حب الحياة العاجلة ، ولا يتجمع حبها والآجلة : فحب كلّ منهما ينسي الثانية على قدره.