إذا فالمعني من نظر الوجوه هو نظر المعرفة ، وانتظار الثواب والرحمة فالنظر يأتي بمعنى الانتظار أيضا : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) (٧ : ٣٥) (ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً (٣٦ : ٤٩) (١).
ومن نضارتها طراوة المعرفة واللقاء يوم الجزاء ، فلتكن الوجوه هي الباطنة ، الظاهرة نضارتها في الوجوه الظاهرة : (تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) (٨٣ : ٢٤) النعيم الشامل كيانه ككل سرا وعلانية : (وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً) (٧٦ : ١١) «هم» لا «وجوههم» فالوجوه هنا وهناك تعم وجه العقل والصدر والقلب والسر والخفي والأخفى ، اصالة ثم الوجه الظاهر إذ تلوح عليه نضارتها ، فالوجوه الستة الباطنة قد تشترك كلها في هذا النظر المجرد «بلا كيف ولا حدود ولا صفة» فتضرب معرفة الله ومحبته إلى أعماق الذوات المؤمنة ، ثم تتحقق في نظر البصر ايضا ، لحدّ يتحقق صاحبه بما قاله الامام الصادق (ع) :«ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه» قبله بأزليته ، وبعده بأبديته ، ومعه بقيوميته وعلمه ، وفيه بآيات حكمته وقدرته ، فتصبح ذاته كلها عينا لا تنظر إلا الى الرب ، كلّ حسب ما قدمته نفسه وسعى ، ف «الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق».
فكل حجاب من الخلق والخالق ممكن الزوال ، إلا حجاب الإمكان عنه ، وحجاب الألوهية عنه تعالى ، فبقدر ما أزيلت حجب العصيان هنا ، تزال حجب المعرفة والرحمة هناك ، ثم حجب النور كذلك تزال لمن أنكر ذاته ، وأصبح كله نظرا ومعرفة لربه كالرسول الأقدس محمد (ص) ف (قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى).
فيا للنضارة والنظر إلى الرب هكذا ، من نعمة يعجز الإدراك عن تصورها ، إذ تتضاءل إلى جوارها الجنة بما فيها ، وما لها لا تتنضّر؟ وهي إلى ربها تنظر!
__________________
(١) وجوه ناظرات يوم بدر ـ الى الرحمن تنتظر الخلاص ، فالنظر يعم الأبصار بالبصر ، والمعرفة بالبصيرة ، والانتظار للرحمة.