نظر البصيرة بنور اليقين ، ونضارة المعرفة والرحمة بلقاء الرب الكريم.
وإن ارتقاء الكينونة الانسانية وانطلاقها من قيود الهوى ، ومن هذه الكينونة الأرضية ، هو فقط محط الرجاء في التقاءها بهذه النضارة والنظرة.
ثم الوجوه الباسرة هي البنية التعيسة ، المتقبضة الكالحة القاطبة ، المحرومة عن كل نضارة ونظرة (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٨٣ : ١٥) بما ارتكست في حيوانية الحياة ، وانطمست وانغمرت في الشهوات ، فانحجبت عن ربها بما حجبت نفسها.
(تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) : الكارثة القاصمة الظهر ، المحطّمة الفقار ، تظن ظن اليقين بما قدمت لأنفسها ولات حين مناص!.
(كَلَّا إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ. وَقِيلَ مَنْ راقٍ. وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ. وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ كَلَّا) ليست العاجلة المحّببة هي الباقية ، إنما هي الآجلة المرفوضة ، فيا لها من حياة مرتكسة منكوسة ، فليتذكر متذكر :
(إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ) : حين تبلغ الروح مبلغها الأخير من الجسم : «التراقي» العظام الواصلة بين ثغرة النحر والعاتق ، وهي الحلقوم : تترقى إليه النفس عند الموت ، وإليه يتراقى البخار من الجوف ، وهناك يقع تردد النفس (فَلَوْ لا إِذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ) (٥٦ : ٨٣) : سكرات مذهلة وكروب تزيغ الأبصار ، كأنما القلوب تبلغ الحناجر ، ويا لها من عبرات لمن لم يغرب عقله!
(وَقِيلَ مَنْ راقٍ)؟ قيل من أعماق المحتضر : «هل من طبيب» (١)
__________________
(١) نور الثقلين ٥ : ٤٦٥ عن الكافي باسناده الى جابر عن أبي جعفر الباقر (ع) في «من راق» قال : فان ذلك ابن آدم إذا حل به الموت قال : هل من طبيب؟