يرقى بي مما أنا فيه من خفض الاحتضار ، أو لعلّ رقية تفيدني فتلوّي من سكرة وتشفين ، أو علّ توبة ترقى بي من دركات تنتظر ، أو ـ وفي آخر المطاف ـ من يرقى بي الى البرزخ؟ أملائكة الرحمة أم ملائكة العذاب؟
وقيل من أخصّاءه الحضور : من يرقى به الى طبيب يشفيه؟ أو يخلصه مما هو فيه ، أو من هذا الطبيب الذي يرقى به ، أو من يرقى به من وطأة الآخرة الى رحمتها؟
وقيل من الملائكة : من يرقى بروحه ، ملائكة الرحمة أو العذاب ، حتى يصدر الأمر من رب الأرباب (١).
قيلات هي ويلات للمحتضر إلا من رحم الله ويومئذ يفرح المؤمنون ، بلا قيل ولا ويل.
(وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ) : رغم أشراط الموت وعلاماته ، ولكنه لا يرضى أخيرا إلا الظن بالموت ، ولا يحن الى يقين الموت ، إذ لا يحب الفراق ، حبا للعاجلة وفرارا عن الآجلة.
(وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) إذ بطلت كل حيلة ووسيلة تصدّ عن الفراق ، وعلّ الساقين هما الشدّتان المجتمعتان على المرء ، من فراق الدنيا العاجلة المحبّبة ، ولقاء أسباب الآجلة المنسية (٢) ، وأين ساق من ساق؟ : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) (٦٨ : ٤٢).
والكشف عن الساق ـ وهو التشمير عنه ـ كناية عن صعوبة الأمر ، فمن
__________________
(١) راق اما من الرقية وهي العوذة ، او من الرقاء وهي العلو ، وقد جمعنا هنا بين المعنيين.
(٢) نور الثقلين ٥ : ٤٦٥ في آية الساقين عن الباقر (ع): «التفت الدنيا بالآخرة».
(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٩)