لا مكوّنا (١) وبعد ما خلق ترابا كان شيئا في أصله التراب بشيئية التراب ، ولم يكن مذكورا في عداد الإنسان ، ولا بمبدئه الجرثومي : نطفة وسواها ، ثم إذ خلقت نطفته كان شيئا هو أصله الجرثومي ولم يكن مذكورا كإنسان ، ولا مذكورا باسم النطفة والمني أيضا ـ تأدبا ، إذ كان قذرا لحدّ لم يك يذكر إلا لمن اضطر ، بحثا عن أصله فيزيولوجيا ، أو خناء لمن يستحقة ، أو تذكيرا بأصله : لقد كنت نطفة قذرة .. فهذه اولى النعم التي أبلانا الله عز وجل بها أن خلقنا ولم نكن شيئا مذكورا «وعلى حدّ تعبير علي (ع) وتقرير الرسول (ص) (٢).
فهل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا؟ اللهم بلى ، إذ كان منسيّا في الخلق كإنسان ، غير مذكور قبل خلقه إنسانا ، ذكر الكيان أم ذكر اللسان ، ثم اللهم لا! إذ كنت ذاكره كل الدهر : قبل خلقه وبعده!
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْناهُ سَمِيعاً بَصِيراً)
فما هي النطفة الأمشاج؟ النطفة هي واحدة النطف : الماء الصافي ، فالمني نطف يخلق الإنسان من نطفة منها : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) وصفاءها هي اصطفاءها من البدن كله ، فانها : (ثُمَّ جَعَلَ
__________________
(١) الكافي باسناده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني باسناده عن الامام الصادق (ع): سئل عن قوله تعالى : (أَوَلا يَذْكُرُ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً) فقال : «لا مقدرا ولا مكونا» وسئل عن قوله تعالى : هل أتى على الإنسان ... قال : كان مقدرا غير مذكور ، وعن حمران عنه (ع) شيئا مقدرا ولم يكن مكونا أقول : التقدير هو تقدير العلم والخلق قبل ان يخلق.
(٢) اولى الشيخ الطوسي باسناده الى الامام الباقر (ع) ان النبي (ص) قال لعلي (ع) قل : ما أول نعمة أبلاك الله عز وجل وأنعم عليك بها؟ قال : أن خلقني جل ثناؤه ولم أك شيئا مذكورا ، قال : صدقت.