وقد يعم النذر إيجاب الواجب ، فرضا على فرض ، كإيجاب المندوب فرضا على ندب ، فالأبرار ينفذون ما اعتزموا من واجبات ، وما التزموا من طاعات ، كما ويعم ما أوجب الله عليهم في الميثاق (١) فهم يوفون بنذورهم ونذور الله.
وإنها لهي صورة لمّاعة عن قلوب صافية ، وصدور منشرحة ضافية ، معتزمة على الوفاء لله ، عاملة لوجه الله ، دون أن تريد إلا مرضاة الله.
إنهم (يَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) فهنا شرّ مستطير ، وهناك شرّ ثابت ، فالمستطير هو شرّ الدنيا ، والثابت هو شرّ الآخرة الناتج عن الاولى ، فان شر الآخرة من شر الدنيا المستطير إليها ، فحقيقة الاستطارة من صفات ذوات الأجنحة : البعثة على الطيران ، فشر الدنيا مبعوث من قبل الله للطيران الى مسجلات الكون : شهود الأعمال ، وللطيران الى اعماق البرزخ والقيامة ، ثم يقف للحساب والجزاء : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) (١٧ : ١٣) وإنها تيارات الشر ، كأنها طائرات وهي في أعناق ركابها.
وتجاوب «مستطيرا» «كان» فانها تلمح بمضيّها ، بأن شر الآخرة ـ المستقبل ـ هو استمرار لشر الدنيا ـ الماضي ـ المستطار ، طبقا عن طبق ، فليقطع العاقل أجنحة الشر وأصولها في الاولى ، لكي لا يستطير والى الآخرة.
ولأنهم يخافون ذلك اليوم البئيس العصيب ، يدأبون ـ هنا ـ في اجتثاث جذور الشرور لكي لا تستطير ، ويعملون في استطارة الخيرات لكي تستطير ،
__________________
(١) اصول الكافي باسناده عن أبي الحسن الماضي في آية النذر قال : يوفون لله بالنذر الذي أخذ عليهم في الميثاق من ولايتنا.