ومن الناحية المعنوية ايضا قد يطعم الطعام غير المحبوب في حب الله ، وأما إذا يطعم المحبوب لوجه الله فهو الوجه الأحسن في الإطعام ، ووجه الله مذكور بعده (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) فلما ذا يؤول «على حبه» الى حب الله؟
كلا : إنما على حب الطعام والإطعام ، حبّا عاليا الى حاجة مدقعة لهؤلاء المطعمين ، فلم يقل «مع حبّه» إنما «على حبّه» ما يوحي باستعلاء حبّه عليهم ، لا حبّا ذاتيا للطعام أو نوع الطعام ، فإنهم كانوا أخلص المخلصين وأبر الأقربين ، لا يحبون إلا لله وفي الله ، فإنما حبا لإدمان الصيام الذي نذروه ، ولتقوى أبدانهم على طاعة الله وتقواه ، ومعهم الطفلان الحسنان! وأنهم حصلوا الطعام على مشقة وصعوبة بالغة.
فهم ـ على حبهم هكذا طعام ، وحبهم للإطعام يطعمون لقمة الفطور وبلغة الصيام للمحاويج السائلين ، بأريحية نفس ورحمة قلب وخلوص نية ، وكما فعله علي وفاطمة والحسنان «وهما صغيران» (١) ومعهما الخادمة فضة وقد تواترت به أحاديث الفريقين (٢).
__________________
(١) امالي الصدوق عن الامام الباقر والصادق (ع) في الآية انهما قالا : مرض الحسن والحسين وهما صبيان صغيران فعادهما رسول الله (ص) ومعه رجلان ... وفيه انهما صاما مع أبويهما ـ الى نهاية القصة.
(٢) رواه فيمن رواه ابو صالح ومجاهد والضحاك والحسن وعطا وقتادة ومقاتل والليث وابن عباس وابن مسعود وابن جبير وعمرو بن شعيب والحسن بن مهران والنقاش والقشيري والثعلبي والواحدي في تفاسيرهم ، وصاحب اسباب النزول والخطيب المكي في الأربعين وابو بكر الشيرازي في نزول القرآن في أمير المؤمنين (ع) والأشنهي في اعتقاد اهل السنة وابو بكر محمد بن احمد بن الفضل النحوي في العروس في الزهد ، وروى أهل البيت عن الأصبغ بن نباتة وغيرهم عن الباقر (ع) (نور الثقلين ٥ : ٤٧١ عن المناقب لابن شهرآشوب).