٢ ـ ومن أصول الإطعام أن يحل محله الأحرى والأحوج ، ولا أحوج من : مسكين أسكنه العدم عن الحراك في حاجيات الحياة ، ويتيم انقطع عمن يصلح شأنه وهو قاصر عما يصلحه ، وأسير : سجين أو ملك يمين : هؤلاء المحاويج الذين لا يجدون حيلة ولا سبيلا ، الذين طرقوا باب الرحمة سائلين ، فآثرهم أهل بيت الرحمة على أنفسهم وقد كانت بهم خصاصة!
هنا تظهر مدنية هذه الآيات (١) لمكان الأسير بين السائلين ، ولم يكن المؤمنون
__________________
(١) لقد روى نزول هذه الآيات في المدينة فيمن رواه : السيوطي في الإتقان عن البيهقي في دلائل النبوة عن عكرمة والحسين بن أبي الحسن ، وعن الضريس في فضائل القرآن باسناده عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه عن ابن عباس ، وعن البيهقي في الدلائل عن مجاهد ، وجلال الدين السيوطي في الدر المنثور باسناده عن ابن عباس ، وأبو حمزة الثمالي في تفسيره ، والطبرسي عن السيد ابو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني باسناده عن ابن عباس ، والأستاذ احمد الزاهد عنه.
والقصة حسب نقل البحراني في غاية المرام عن أبي المؤيد الموفق بن أحمد في كتاب فضائل أمير المؤمنين (ع) والحمويني في كتاب فرائد السمطين وعن الثعلبي والواحدي في تفسيرهما ، وفي الكشاف : «ان الحسن والحسين مرضا فعادهما رسول الله (ص) في ناس معه فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك ، فنذر علي وفاطمة وفضة جارية لهما إن برءا مما بهما ان يصوموا ثلاثة أيام فشفيا وما معهم شيء.
فاستقرض علي من شمعون الخيبري اليهودي ثلاث أصوع من شعير فطحنت فاطمة صاعا واختبزت خمسة أقراص على عددهم فوضعوها بين أيديهم ليفطروا فوقف عليهم سائل فقال : السلام عليكم أهل بيت محمد! مسكين من مساكين المسلمين أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلا الماء وأصبحوا صياما ، فلما أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه ، ووقف عليهم أسير في الثالثة ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ علي بيد الحسن والحسين وأقبلوا الى رسول الله (ص) فلما أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدة الجوع قال : ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق ظهرها ببطنها وغارت عيناها فساءه ذلك فنزل جبرئيل وقال : خذها يا محمد هناك الله في أهل بيتك فأقرأه السورة.