فهل لا يريدون من الله أيضا جزاء كما لا يريدون منهم؟ تلمح (إِنَّما ..) أنهم لا يطعمون جزاء ولا من الله ، فانها عبادة الأجزاء! ولا تحرزا عن عذاب الله فإنها عبادة العبيد! وإنما يعبدونه لأنه الله ، «لوجه الله» وإنها عبادة الأحرار ، فهؤلاء الأبرار هم أبر الأحرار ، ولا تعني «منكم» نفي ترقب الجزاء والشكور منهم فقط ، وإنما كأقرب الجزاء المترقب ، و «إنما» المسبقة تحصره في وجه الله ، اللهم إلا أن يكون ترقّبه من الله بأمر الله ولوجهه ، لا أجرا منه ، ثم وليس خوفهم يوما عبوسا قمطريرا إلا خوف البعد عن زلفاه ومعرفته ورضاه ، وإنما هي جنة الرضوان يعملون لها ، ونيران البعد يتحذرون عنها :
(إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً) :
(نَخافُ مِنْ رَبِّنا) خوفا من ربوبيته لعدله ، الظاهر «يوما عبوسا» : قاطبا وجهه معبّسا «يقبض ما بين الأبصار» (١) يستدل بعبسه وقطوبه على إرصاده بالمكروه وعزمه على إيقاع الأمر المخوف «قمطريرا» : شديدا ضره ، طويلا شره ، وهذا اليوم نفسه متطلق مستبشر لمن يخافون ربهم فيحسبون حسابه حياتهم ، فالطّلق والعبس ليوم الحساب ، كلّ بحساب كيفية الحساب ، دون أن يحمل اليوم بذاته أيا منهما إلا ميزان الحق والعدل.
ف «الكافر يعبس يومئذ حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران» (٢) والمؤمن يلقّى نضرة وسرورا :
(فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً)
(فَوَقاهُمُ اللهُ) بما وقوا أنفسهم يوم الدنيا واتقوا (شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ)
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ٢٩٩ ـ أخرجه ابن مردويه عن انس عن النبي (ص) في الآية.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٧ كما روي أن الكافر ...