هذا الواقع الخطير من عذاب النار الزمهرير ، يجاوبه واقع النار في الشجر الأخضر : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٣٦ : ٨٠) (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ) (٥٦ : ٧٢) وآية غرق آل فرعون في الماء والنار : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٧١ : ٢٥) نارا برزخية أدخلوها وهم غرقى الماء (١) وتجاوبه أولا وأخيرا القدرة الإلهية النافذة في كل شيء ، ان يجعل المنافرين يساعد بعضهما بعضا جنبا بجنب!
ثم الرؤية المنفية في الشمس والزمهرير ، ليست هي رؤية البصر فحسب ، وإنما رؤية الإدراك المزعجة : لمسة الحرارة والبرودة ، وابصار عين الشمس ونورها الضارية ، واما إبصارها الزمهرير ، ومن بعيد ، فلا عذاب فيه ، كما لا عذاب في رؤية النار لأهل الجنة ، بل رحمة فوق رحمة أن يروا أعداء الله كيف يعذبون! كما تجاوبها آيات الترائي والحوار بين أهل الجنة والنار.
وكما تبعد عنهم الشمس والزمهرير ، كذلك تدنو منهم ظلال الجنة عن الشمس :
(وَدانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُها وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) :
ودانية عليهم ظلال الجنة بما تجنهم من شجراتها وقصورها ، والقطوف جمع قطف : المقطوفة المجتناة ، وهي عناقيد الأعناب وأشباهها ، ذللت لهم : جعلت قريبة من أيديهم ، غير ممتنعة على مجتنيها ، لا يحتاجون الى معاناة في اجتنائها ، ولا مشقة في اهتصار أفنانها ، كالظهر الذلول يوافق صاحبه ، ويؤاتي راكبه ، راحة لهم مرهفة وضيئة ، غير شماس مستصعبة،
__________________
(١) راجع تفسير الآية في سورة نوح.