أو أمثالهم في الصورة ، والمادة نفس المادة ، كما في قيامة الإحياء ، فإن الأجساد لا تعاد بصورها الأوّلية وإنما بأمثالها في الصورة وأصولها في المادة ، فالأجساد المعادة يوم المعاد هي هي بموادها وهي غيرها بصورها ، طالما هي أمثالها : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) (٥٦ : ٦٣) (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٥٠ : ١٥).
(وَإِذا شِئْنا بَدَّلْنا) هم (أَمْثالَهُمْ) في العاجلة بخلق جديد بدلهم ، وفي الآجلة بخلقهم مرة أخرى لتجزى كل نفس بما تسعى (بَدَّلْنا أَمْثالَهُمْ تَبْدِيلاً) : الى من هم أحسن منهم ، أو أبدان أخلص وأخلد من أبدانهم كما في القيامة ، وهذا الثاني مقصود من الآية قطعا لمكان «إذا» الدالة على تحقق مدخولها لا محالة ، طالما تشمل الأول ضمنيا.
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) :
التذكرة حاصلة بالفعل ، برحمة الله وحكمته ، تذكرة بالغة كافية ، ولكنما التذكر بها منوط بمشية الإنسان ، فمن شاءه اتخذ الى ربه سبيلا كما يسعى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) فالسبل الى الله كثيرة ، كلّ يسلك سبيلا قدر سعيه ، متذكرا بالتذكرة قدر وعيه ، ولكنما المشية منّا غير كافية للوصول ، فهي بحاجة الى مشيئة الله ، أن يشاء ما يشاءه العبد من خير فيوفقه له :
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) :
هذا شرط الله لنا دائبا ، أن لانشاء الاهتداء إلا أن يشاءه الله لنا بعدها ، يشفع مشيئته بمشيئتنا نصرا من عنده ، وتوفيقا لنا لدحر ما لا نقدر عليه