(عُذْراً أَوْ نُذْراً) : فلإلقاء الذكر أثره ، عذرا عند الله فحجة على المنذرين ، أو نذرا لهم به ينذرون ويتأثرون (١) ، فاشتراط التأثير نذرا ـ فحسب ـ في وجوب البلاغ والأمر والنهي ، شطط من القول وهراء ، بل وعذرا أيضا ، كما هو لزام إلقاء الذكر دائبا ، وعلى من لم يتذكر ايضا ، ونذرا أحيانا : لمن يتذكر ، فالمعذرة الى الربّ في أداء البلاغ لها المكانة الأولى في المنذرين ، لا يعذرون في تركها بحال ، فالله ينجي من يأمر بالعرف وينهى عن السوء عذرا أو نذرا ، ويأخذ الظالمين بعذاب بئيس ، من فاعل للمنكر ، وتارك للنهي عنه حتى عند عدم التأثير : (وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً. قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ. فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) (٧ : ١٦٦) فانها تصرح بنجاة الناهين عن السوء فقط ، وبعذاب شامل تاركي النهي عن المنكر فيما لم يكن له تأثير ، إلا معذرة الى الربّ ، طالما تشدد عذاب العاتين عما نهوا عنه : (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ)!
وهل إن هذه المقسم بها خمس كما يشهد له عديده؟ أم اثنان لأن الأصل المعطوف عليه فيها اثنان والمرسلات ... والناشرات والثلاثة الباقيات متفرعات؟ ام واحد لوحدة المقسم لأجله ، فلتكن متوحدة في رباطها به؟ لكلّ وجه ، وهي متداخلات في صفاتها وغاياتها ، وهي كلها دالات (إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ). فمرسلات العقول والفطر والفكر ، ومعها مرسلات الرسالات الملائكية والبشرية ، ومعها مرسلات الرياح وصلا وفصلا ، وسائر المرسلات الفاصلة والواصلة ، تدل دلالات عقلية وواقعية وحسية لإمكانية وضرورة وقوع الوعد الحق ، وخسر هنالك المبطلون.
__________________
(١). قد يكون عذرا أو نذرا ، جمعين لعاذر ونذير ، أو مصدرين بمعنى الإعذار والإنذار ، وعلى الاول هما حالان للملقيات.