هما مستحيلان على الله ، إذ يتنافيان وعدله وحكمته تعالى وتقدس ، استحالة بالاختيار.
انه لا قدير على كل شيء إلا الله ، فلا يعجزه شيء ، ولا يفوته شيء ، يخلق ما يشاء ، ويفعل ما يريد ، إنه عزيز حميد ، وهو غالب على أمره ، غير مغلوب فيما يزيد ، فما يحيله الإنسان بحساب قدرته المحدودة ، إنه عند الله سهل يسير ، لا يعزب عنه شيء ولا يعزبه شيء.
وما يحيله العقل واقعيا ، من المنكر ، أو عقليا من المحال الذاتي ، فهو ليس شيئا يذكر ، أو لا يليق به تعالى حتى تتعلق به قدرته ، فما دام القابل ناقصا لا يقبل الكمال ، أم هو دون النقص والكمال لاستحالة شيئيته ، فعدم تعلق القدرة الإلهية به ليس نقصا فيها ، ولا نقصا لعمومها وشمولها.
وهل إن القدرة الإلهية تتعلق بالشيء الموجود : خلق الشيء شيئا : خلقه كما كان قبل خلقه؟ فهو من تحصيل الحاصل! أو خلقه شيئا آخر بمعنى تغييره وتحويره؟ أو بمعنى إعدامه؟ فليست قدرته محصورة في حصار الكائنات بعد كونها ، فمن هذا الذي كوّنها إلا هو؟! أم تتعلق قدرته بما كوّنها ويخلق الأشياء من اللاشيء؟ فكيف يتحول اللاشيء شيئا! أن يخلق الله العالم من اللاشيء! أم خلق الأشياء لا من شيء؟ وهذا هو الصحيح المعقول ، أن لا مصدر لخلق المادة الأولية وجوديا ولا عدميا ، إنما مصدرها أولا إرادته تعالى : أن خلق الأشياء لا من شيء : إنما أمرنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون وإنما استحق اسم الشيء قبل تكوينه ، اعتبارا بإمكانية تكوينه وبحالة كونه المستقبل «علاقة ما يكون».
ثم مصدر الأشياء ثانيا هي المادة الأولية ـ المخلوقة لا من شيء ـ ، بإرادته تعالى ، أن يحوّرها ويحوّلها ويبدّل ماهيتها ، ثم ماهيات الأشياء إلى ما يريد ، أو يعدمها ، وسوف نخوض في البحث عن كيفية التكوين في محالّها.