غضب الله في حرمته ، وكيف بالغ في نفى التهمة عن حجابه. فإن قلت : إن كانت عائشة هي المرادة فكيف قيل المحصنات (١)؟ قلت : فيه وجهان ، أحدهما : أن يراد بالمحصنات أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن يخصصن بأن من قذفهنّ فهذا الوعيد لا حق به ، وإذا أردن وعائشة كبراهنّ منزلة وقربة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كانت المرادة أوّلا. والثاني : أنها أمّ المؤمنين فجمعت إرادة لها ولبناتها من نساء الأمّة الموصوفات بالإحصان والغفلة والإيمان ، كما قال :
قدنى من نصر الخبيبين قدى (٢)
أراد عبد الله بن الزبير وأشياعه ، وكان أعداؤه يكنونه بخبيب ابنه ، وكان مضعوفا (٣) ، وكنيته المشهورة أبو بكر ، إلا أن هذا في الاسم وذاك في الصفة. فإن قلت : ما معنى قوله (هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ)؟ قلت : معناه ذو الحق البين ، أى : العادل الظاهر العدل ، الذي لا ظلم في حكمه ، والمحق الذي لا يوصف بباطل. ومن هذه صفته لم تسقط عنده إساءة مسيء ولا إحسان محسن ، فحق مثله أن يتقى ويجتنب محارمه.
__________________
(١) قال محمود : «إن كانت عائشة هي المرادة ، فلم جمع؟ قلت : المراد إما أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حتى يكون هذا الوعيد لاحقا بقاذفهن ، وإما عائشة وجمعت إرادة لها ولبناتها ، كما قال :
قدنى من نصر الخبيبين قدى
يعنى عبد الله بن الزبير وأشياعه وكان يكنى أبا خبيب» قال أحمد : والأظهر أن المراد عموم المحصنات والمقصود بذكرهن على العموم وعيد من وقع في عائشة على أبلغ الوجوه ، لأنه إذا كان هذا وعيد قاذف آحاد المؤمنات ، فما الظن بوعيد من قذف سيدتهن وزوج سيد البشر صلى الله عليه وسلم ، على أن تعميم الوعيد أبلغ وأقطع من تخصيصه وهذا معنى قول زليخا (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فعممت وأرادت يوسف ، تهويلا عليه وإرجافا ، والمعصوم من عصمه الله تعالى.
(٢) قدنى من نصر الخبيبين قد |
|
ليس الامام بالشحيح الملحد |
ولا يوتن بالحجاز مفرد |
|
إن ير يوما بالقضاء يصطد |
أو ينجحر فالجحر شر محكد |
لحميد الأرقط. وقيل : لأبى بحدلة يخاطب عبد الملك بن مروان. وقدنى : بمعنى حسبي. وكرر للتوكيد. والخبيبين يروى بصيغة التثنية ، يعنى عبد الله بن الزبير وابنه خبيب ، وكانوا إذا ذموه كنوه بأبى خبيب بالتصغير. ويروى بصيغة الجمع ، يعنى : عبد الله وشيعته ، كان ادعى الخلافة فقال الشاعر : لا يكون الامام شحيحا أى بخيلا ، ولا ملحدا أى محتكرا أو محاربا في الحرم. والإلحاد : الميل. والوتن بالسكون ، والواتن بالمثناة ، وبالمثلثة : الثابت الدائم ، يوصف به الماء ونحوه. ويروى : يوبر ، والوبر حيوان صغير ذليل لا ذنب له يحبس ويعلف ، ومفرد : يروى بالفاء وبالقاف. وقرد الرجل : سكت من عي. وأفرد : سكن وتماوت. وأقردت الشيء : جمعته وصممته وهو منه. ويصطد : مبنى للمجهول ، وهو يناسب رواية وبر. والانجحار : دخول الجحر. والمحكد. الملجأ والمهرب. وحاشا لابن الزبير أن يكون ملحدا.
(٣) قوله «وكان مضعوفا» في الصحاح : أضعفت الشيء فهو مضعوف ، على غير قياس. (ع)