الْخَبِيثاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثاتِ وَالطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ أُولئِكَ مُبَرَّؤُنَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)(٢٦)
أى (الْخَبِيثاتُ) من القول تقال أو تعد (لِلْخَبِيثِينَ) من الرجال والنساء (وَالْخَبِيثُونَ) منهم يتعرضون (لِلْخَبِيثاتِ) من القول ، وكذلك الطيبات والطيبون. و (أُولئِكَ) إشارة إلى الطيبين ، وأنهم مبرءون مما يقول الخبيثون من خبيثات الكلم (١) ، وهو كلام جار مجرى المثل لعائشة وما رميت به من قول لا يطابق حالها في النزاهة والطيب. ويجوز أن يكون (أُولئِكَ) إشارة إلى أهل البيت ، وأنهم مبرءون مما يقول أهل الإفك ، وأن يراد بالخبيثات والطيبات : النساء ، أى : الخبائث يتزوّجن الخباث ، والخباث الخبائث ، وكذلك أهل الطيب. وذكر الرزق الكريم هاهنا مثله في قوله (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) وعن عائشة : لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهنّ امرأة : (٢) لقد نزل جبريل عليه السلام بصورتي في راحته حين أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوّجنى ، ولقد تزوّجنى بكرا وما تزوج بكرا غيرى ، ولقد توفى وإنّ رأسه لفي حجري ، ولقد قبر في بيتي ، ولقد حفته الملائكة في بيتي. وإنّ الوحى لينزل عليه في أهله فيتفرقون عنه وإن كان لينزل عليه وأنا معه في لحافه ، وإنى لابنة خليفته وصديقه ، ولقد نزل عذرى من السماء ، ولقد خلقت طيبة عند طيب ، ولقد وعدت مغفرة ورزقا كريما.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلى أَهْلِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(٢٧)
تستأنسوا فيه وجهان ، أحدهما : أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو خلاف الاستيحاش
__________________
(١) قال محمود : تحتمل الآية أمرين ، أحدهما : أن يكون المراد الكلمات الخبيثة للخبيثين ، والمراد : الافك ومن أفاض فيه ، وعكسه في الطيبات والطيبين. الثاني : أن يكون المراد بالخبيثات النساء وبالخبيثين الرجال» قال أحمد : إن كان الأمر على التأويل الثاني ، فهذه الآية تفصيل لما أجمله قوله تعالى (الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ) وقد بينا أنها مشتملة على هذه الأقسام الأربعة تصريحا وتضمينا ، فجاءت هذه الآية مصرحة بالجميع. وقد اشتملت على فائدة أخرى وهي الاستشهاد على براءة أم المؤمنين بأنها زوجة أطيب الطيبين ، فلا بد وأن تكون طاهرة طيبة مبرأة مما أفكت به ، وهذا التأويل الثاني هو الظاهر ، فان بعد الآية (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) وبهذا وعد أزواجه عليه السلام في قوله تعالى (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) والله أعلم.
(٢) عاد كلامه. قال : ونقل عن عائشة أنها قالت : لقد أعطيت تسعا ما أعطيتهن امرأة ، فذكرت منهن أنها خلقت طيبة عند طيب» قال أحمد : وهذا أيضا يحقق ما ذكرته من أن المراد بالطيبات والطيبين : النساء والرجال ، وأن المراد بذلك : إظهار براءة عائشة بأنها زوج أطيب الطيبين ، فيلزم أن تكون طيبة ، وفاء بقوله (وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ) والله أعلم.