فلست لإنسىّ ولكن لملأك |
|
تنزّل من جو السّماء يصوب (١) |
لأنه مطاوع نزل ، ونزل يكون بمعنى أنزل ، وبمعنى التدريج ، واللائق بهذا الموضع هو النزول على مهل والمراد أن نزولنا في الأحايين وقتا غب وقت ليس إلا بأمر الله ، وعلى ما يراه صوابا وحكمة ، وله ما قدامنا (وَما خَلْفَنا) من الجهات والأماكن (وَما بَيْنَ ذلِكَ) وما نحن فيها فلا نتمالك أن ننتقل من جهة إلى جهة ومكان إلى مكان إلا بأمر المليك ومشيئته ، وهو الحافظ العالم بكل حركة وسكون ، وما يحدث ويتجدد من الأحوال ، لا يجوز عليه الغفلة والنسيان ، فأنى لنا أن نتقلب في ملكوته إلا إذا رأى ذلك مصلحة وحكمة ، وأطلق لنا الإذن فيه. وقيل : ما سلف من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة ، وما بين ذلك : ما بين النفختين وهو أربعون سنة. وقيل : ما مضى من أعمارنا وما غبر منها ، والحال التي نحن فيها. وقيل : ما قبل وجودنا وما بعد فنائنا. وقيل : الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا ، والسماء التي وراءنا ، وما بين السماء والأرض ، والمعنى : أنه المحيط بكل شيء لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرة ، فكيف نقدم على فعل نحدثه إلا صادرا عما توجبه حكمته ويأمرنا به ويأذن لنا فيه. وقيل معنى (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) وما كان تاركا لك ، كقوله تعالى (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) أى : ما كان امتناع النزول إلا لامتناع الأمر به. وأما احتباس الوحى فلم يكن عن ترك الله لك وتوديعه إياك ، ولكن لتوقفه على المصلحة. وقيل : هي حكاية قول المتقين حين يدخلون الجنة ، أى : وما ننزل الجنة إلا بأن من الله علينا بثواب أعمالنا وأمرنا بدخولها ، وهو المالك لرقاب الأمور كلها السالفة
__________________
(١) تعاليت أن تعزى إلى الانس جلة |
|
وللانس من يعزوك فهو كذوب |
فلست باء نسى ولكن ملأكا |
|
تنزل من جو السماء يصوب |
لرجل من عبد القيس ، يمدح النعمان بن المنذر. وقيل لأبى وجرة يمدح عبد الله بن الزبير. وتعزى : أى تنسب ، والجلة ـ بالضم وعاء التمر ، وبالكسر : الجماعة العظيمة ، جمع جليل ، وبالفتح : البعرة ، وهو تمييز محول من نائب عن الفاعل ، أى : تعاليت عن أن ينسب وعاءك أى : أصلك إلى الانس. وقوله : وللانس من يعزوك ، فيه تقديم معمول الصلة على الموصول. والمشهور منعه : لأنهم يتوسعون في الظروف ، وزيدت الفاء في خبر الموصول لأنه يشبه الشرط ، ولو جعل شرطا لكان فيه إثبات حرف العلة بعد الجازم للضرورة. والملأك معفل ، بتقديم العين من الألوكة بالفتح وهي الرسالة ، وقال أبو عبيدة : هو مفعل على اسم المكان ، من لأك إذ أرسل ، ولعله جاء على مفعل لتصوير أن الرسول مكان الرسالة. وقال ابن كيسان : هو فعأل من الملك ، فالهمزة زائدة ، وعلى كل يخفف بالنقل فيقال فيه تلك. والصوب : القصد أو الميل عند النزول ، ونصب ملأكا لأنه اسم لكن ، وما بعده صفته ، أى : ولكن ملأكا نازلا من السماء أنت. وفيه : أن المحدث عنه الممدوح لا الملك ، ويمكن أنه قلب للمبالغة كما قالوه في التشبيه المقلوب. ويحتمل أن تقديره : ولكنك كنت ملأكا ، وفيه بعد. والأوجه رواية الصحاح : فلست لانسى ولكن لملأك أى : فلست منسوبا لانسى ولكن لملك ، وبالغ في ذلك حتى جعله نازلا من جهة السماء ، يصوب : أى يقصد إلى جهة.