والمترقبة والحاضرة ، اللاطف في أعمال الخير والموفق لها والمجازى عليها ، ثم قال الله تعالى ـ تقريرا لقولهم ـ : وما كان ربك نسيا لأعمال العاملين غافلا عما يجب أن يثابوا به ، وكيف يجوز النسيان والغفلة على ذى ملكوت السماء والأرض وما بينهما؟ ثم قال لرسوله صلى الله عليه وسلم : فحين عرفته على هذه الصفة ، فأقبل على العمل واعبده : يثبك كما أثاب غيرك من المتقين. وقرأ الأعرج رضى الله عنه : وما يتنزل ، بالياء على الحكاية عن جبريل عليه السلام والضمير للوحى. وعن ابن مسعود رضى الله عنه : إلا بقول ربك. يجب أن يكون الخلاف في النسى مثله في البغي.
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا)(٦٥)
(رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) بدل من ربك ، ويجوز أن يكون خبر مبتدإ محذوف ، أى هو رب السموات والأرض (فَاعْبُدْهُ) كقوله :
وقائلة خولان فانكح فتاتهم (١)
وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) من كلام المتقين ، وما بعده من كلام رب العزة. فإن قلت : هلا عدى (اصْطَبِرْ) بعلى التي هي صلته ، كقوله تعالى (وَاصْطَبِرْ عَلَيْها)؟ قلت : لأن العبادة جعلت بمنزلة القرن في قولك للمحارب : اصطبر لقرنك ، أى اثبت له فيما يورد عليك من شدائد أريد أن العبادة تورد عليك شدائد ومشاق ، فاثبت لها ولا تهن ، ولا يضق صدرك عن إلقاء عداتك من أهل الكتاب إليك الأغاليط ، وعن احتباس الوحى عليك مدة وشماتة المشركين بك. أى : لم يسم شيء بالله قط ، وكانوا يقولون لأصنامهم : آلهة ، والعزى إله وأما الذي عوض فيه الألف واللام من الهمزة ، فمخصوص به المعبود الحق غير مشارك فيه.
__________________
(١) وقائلة خولان فانكح فتاتهم |
|
وأكرومة الحيين خلو كما هيا |
شاعره مجهول. أى : ورب قائلة. وخولان بالفتح اسم قبيلة باليمن ، وهو مبتدأ خبره ما بعده ، والفاء زائدة فيه على رأى الأخفش والفراء ، ومنع سيبويه زيادتها هنا ، لأن المبتدأ لم يشبه الشرط ، فخبره محذوف ، أى: خولان كرام فانكح أى تزوج فتاتهم ، أو هو خبر لمحذوف ، أى : هؤلاء خولان المعروفون بالكرم ، فتزوج بفتاتهم. وبنى «أكرومة» من الكرم للدلالة على كثرة السكرم ، كما أن أعجوبة من التعجب للدلالة على كثرته ، والجملة حالية ، فيحتمل أنها مانعة من نكاح الفتاة ، أى قالت لي ذلك ، والحال أن أكرومة الحيين أى كريمة حى أبى وحى أمى خلو بالضم : خالية من الأرواح كما كانت ، فهي أولى من الفتاة بالزواج لقرابتها منى. ويحتمل أنها داعية إليه ، فالمعنى : قالت لي ذلك والحال أن الفتاة التي هي أكرومة الحيين ، أى حى أبيها وحى أمها من خولان ، على ما هي عليه من البكارة ، أو من الخلو من الأزواج لم تتزوج أحدا قبلي ، فهي حقيقة بأن أتزوجها لكرم طرفيها ، فعلم أن الكاف بمعنى على. ويجوز أن يشبه حالها الآن بحالها فيما مضى ، فالكاف على أصلها. ويحتمل أن الواو للعطف ، أى : قالت ذلك ، وقالت : إنها خالية لم يطمثها أحد قبلك ، فهي حقيقة بالزواج لذلك ، لكنه بعيد.