(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ (٦٩) وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ)(٧٠)
لم تلحق علامة التأنيث بفعل العاقبة ، لأنّ تأنيثها غير حقيقى ، ولأنّ المعنى : كيف كان آخر أمرهم؟ وأراد بالمجرمين : الكافرين ، وإنما عبر عن الكفر بلفظ الإجرام ليكون لطفا للمسلمين في ترك الجرائم وتخوّف عاقبتها ألا ترى إلى قوله (فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ) وقوله : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا). (وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) لأنهم لم يتبعوك ، ولم يسلموا فيسلموا وهم قومه قريش ، كقوله تعالى (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً). (فِي ضَيْقٍ) في حرج صدر من مكرهم وكيدهم لك ، ولا تبال بذلك فإن الله يعصمك من الناس. يقال : ضاق الشيء ضيقا وضيقا ، بالفتح والكسر. وقد قرئ بهما. والضيق أيضا : تخفيف الضيق. قال الله تعالى (ضَيِّقاً حَرَجاً) قرئ مخففا ومثقلا ويجوز أن يراد في أمر ضيق من مكرهم.
(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٧١) قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ)(٧٢)
استعجلوا العذاب الموعود فقيل لهم (عَسى أَنْ يَكُونَ) ردفكم بعضه وهو عذاب يوم بدر فزيدت اللام للتأكيد كالباء في (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ) أو ضمن معنى فعل يتعدى باللام نحو : دنا لكم وأزف لكم ، ومعناه : وتبعكم ولحقكم ، وقد عدى. بمن قال :
فلمّا ردفنا من عمير وصحبه |
|
تولّوا سراعا والمنيّة تعنق (١) |
يعنى : دنونا من عمير ، وقرأ الأعرج : ردف لكم ، بوزن ذهب ، وهما لغتان ، والكسر أفصح. وعسى ولعل وسوف ـ في وعد الملوك ووعيدهم ـ يدل على صدق الأمر وجدّه وما لا مجال للشكّ بعده ، وإنما يعنون بذلك : إظهار وقارهم وأنهم لا يعجلون بالانتقام ، لإدلالهم بقهرهم وغلبتهم ووثوقهم أنّ عدوّهم لا يفوتهم ، وأن الرمزة إلى الأغراض كافية من جهتهم ، فعلى ذلك جرى وعد الله ووعيده.
__________________
(١) ردف كتبع يتعدى بنفسه ، وضمن هنا معنى الدنو فعدى بمن ، وأعنق الفرس : سار سيرا سريعا سهلا. والعنق : اسم منه يقول : فلما دنونا من عمير وأصحابه للحرب أدبروا مسرعين ، والحال أن الموت يسرع خلفهم من جهتنا. شبه المنية بالأسد على طريق المكنية ، فأثبت لها العنق تخييلا ، كأنهم كانوا تبعوهم برمي النبال. ويجوز أنه استعار المنية لنفسه وقومه على طريق التصريح ، أى : ونحن نسرع خلفهم ، فذكر العنق تجريد ، لأنه يلائم المشبه.