(وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَشْكُرُونَ)(٧٣)
الفضل والفاضلة : الإفضال. ولفلان فواضل في قومه وفضول. ومعناه : أنه مفضل عليهم بتأخير العقوبة ، وأنه لا يعاجلهم بها ، وأكثرهم لا يعرفون حق النعمة فيه ولا يشكرونه ، ولكنهم بجهلهم يستعجلون وقوع العقاب : وهم قريش.
(وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ)(٧٤)
قرئ تكنّ. يقال : كننت الشيء وأكننته : إذا سترته وأخفيته ، يعنى : أنه يعلم ما يخفون وما يعلنون من عداوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكايدهم ، وهو معاقبهم على ذلك بما يستوجبونه.
(وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ)(٧٥)
سمى الشيء الذي يغيب ويخفى : غائبة وخافية ، فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العافية والعاقبة. ونظائرهما : النطيحة ، والرمية ، والذبيحة : في أنها أسماء غير صفات. ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة ، كالراوية في قولهم : ويل للشاعر من رواية السوء ، كأنه قال : وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح. المبين: الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة.
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٧٦) وَإِنَّهُ لَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(٧٧)
قد اختلفوا في المسيح فتحزبوا فيه أحزابا ، ووقع بينهم التناكر في أشياء كثيرة حتى لعن بعضهم بعضا ، وقد نزل القرآن ببيان ما اختلفوا فيه لو أنصفوا وأخذوا به وأسلموا ، يريد ؛ اليهود والنصارى (لِلْمُؤْمِنِينَ) لمن أنصف منهم وآمن ، أى : من بنى إسرائيل. أو منهم ومن غيرهم.
(إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ)(٧٨)
(بَيْنَهُمْ) بين من آمن بالقرآن ومن كفر به. فإن قلت : ما معنى يقضى بحكمه؟ ولا يقال : زيد يضرب بضربه ويمنع بمنعه؟ قلت : معناه بما يحكم به وهو عدله ، لأنه لا يقضى إلا بالعدل ، فسمى المحكوم به حكما. أو أراد بحكمته ـ وتدل عليه قراءة من قرأ بحكمه ـ : جمع حكمة. (وَهُوَ الْعَزِيزُ) فلا يردّ قضاؤه (الْعَلِيمُ) بمن يقضى له وبمن يقضى عليه ، أو العزيز في انتقامه من المبطلين ، العليم بالفصل بينهم وبين المحقين.