كلام ، جاء كالشاهد بصحته والمنادى على سداده ، وأنه ما كان ينبغي أن يكون إلا كما قد كان. ألا ترى إلى قوله : (صُنْعَ اللهِ) ، و (صِبْغَةَ اللهِ) ، و (وَعَدَ اللهُ) ، و (فِطْرَتَ اللهِ) : بعد ما وسمها بإضافتها إليه بسمة التعظيم ، كيف تلاها بقوله (الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً) ، لا يخلف الله الميعاد (لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ) وقرئ : تفعلون ، على الخطاب. (فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها) يريد الإضعاف وأنّ العمل يتقضى والثواب يدوم ، وشتان ما بين فعل العبد وفعل السيد. وقيل : فله خير منها ، أى : له خير حاصل من جهتها وهو الجنة. وعن ابن عباس ، الحسنة كلمة الشهادة. وقرئ : (يَوْمَئِذٍ) مفتوحا مع الإضافة ، لأنه أضيف إلى غير متمكن. ومنصوبا مع تنوين فزع. فإن قلت : ما الفرق بين الفزعين؟ قلت : الفزع الأوّل : هو ما لا يخلو منه أحد عند الإحساس بشدّة تقع وهول يفجأ ، من رعب وهيبة ، وإن كان المحسن يأمن لحاق الضرر به ، كما يدخل الرجل على الملك بصدر هياب وقلب وجاب (١) وإن كانت ساعة إعزاز وتكرمة وإحسان وتولية. وأمّا الثاني : فالخوف من العذاب. فإن قلت : فمن قرأ (مِنْ فَزَعٍ) بالتنوين ما معناه؟ قلت : يحتمل معنيين. من فزع واحد وهو خوف العقاب ، وأمّا ما يلحق الإنسان من التهيب والرعب لما يرى من الأهوال والعظائم ، فلا يخلون منه ، لأنّ البشرية تقتضي ذلك. وفي الأخبار والآثار ما يدل عليه. ومن فزع شديد مفرط الشدّة لا يكتنهه الوصف : وهو خوف النار. أمن : يعدى بالجار وبنفسه ، كقوله تعالى (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ). وقيل : السيئة : الإشراك. يعبر عن الجملة بالوجه والرأس والرقبة ، فكأنه قيل : فكبوا في النار ، كقوله تعالى (فَكُبْكِبُوا فِيها) ويجوز أن يكون ذكر الوجوه إيذانا بأنهم يكبون على وجوههم فيها منكوسين (هَلْ تُجْزَوْنَ) يجوز فيه الالتفات وحكاية ما يقال لهم عند الكب بإضمار القول.
(إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩١) وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَقُلْ إِنَّما أَنَا مِنَ الْمُنْذِرِينَ (٩٢) وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَتَعْرِفُونَها وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)(٩٣)
أمر رسوله بأن يقول (أُمِرْتُ) أن أخص الله وحده بالعبادة ، ولا أتخذ له شريكا كما فعلت قريش ، وأن أكون من الحنفاء الثابتين على ملة الإسلام (وَأَنْ أَتْلُوَا الْقُرْآنَ) من التلاوة أو التلوّ كقوله (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ). والبلدة : مكة حرسها الله تعالى : اختصها من بين سائر.
__________________
(١) قوله «وقلب وجاب» في الصحاح «وجب القلب وجيبا» : اضطرب. (ع)