واختلف في سنّ زكريا عليه السلام ، فقيل : ستون ، وخمس وستون ، وسبعون ، وخمس وسبعون ، وخمس وثمانون.
(قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) (٤)
قرئ (وَهَنَ) بالحركات الثلاث ، وإنما ذكر العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه ، فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن. ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية ، وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن ، ولو جمع لكان قصدا إلى معنى آخر ، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه ولكن كلها. إدغام السين في الشين عن أبى عمرو. شبه الشيب بشواظ النار في بياضه وإنارته وانتشاره في الشعر وفشوّه فيه وأخذه منه كل مأخذ ، باشتعال النار ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة ، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس. وأخرج الشيب مميزا ولم يضف الرأس : اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأس زكريا ، فمن ثم فصحت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة. توسل إلى الله بما سلف له من الاستجابة. وعن بعضهم أن محتاجا سأله وقال : أنا الذي أحسنت إلىّ وقت كذا. فقال : مرحبا بمن توسل بنا إلينا ، وقضى حاجته.
(وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا)
كان مواليه ـ وهم عصبته إخوته وبنو عمه ـ شرار بنى إسرائيل ، فخافهم على الدين أن يغيروه ويبدّلوه ، وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته ، فطلب عقبا من صلبه صالحا يقتدى به في إحياء الدين ويرتسم مراسمه فيه (مِنْ وَرائِي) بعد موتى. وقرأ ابن كثير : من وراي ، بالقصر ، وهذا الظرف لا يتعلق بخِفْتُ لفساد المعنى ، ولكن بمحذوف. أو بمعنى الولاية في الموالي : أى خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي. أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي. وقرأ عثمان ومحمد بن على وعلى بن الحسين رضى الله عنهم. خفت الموالي من ورائي ، وهذا على معنيين ، أحدهما : أن يكون (وَرائِي) بمعنى خلفي وبعدي ، فيتعلق الظرف بالموالي : أى قلوا وعجزوا عن إقامة أمر الدين ، فسأل ربه تقويتهم ومظاهرتهم بولىّ يرزقه. والثاني : أن يكون