بمعنى قدامى ، فيتعلق بخِفْتُ ، ويريد أنهم خفوا قدامه ودرجوا ولم يبق منهم من به تقوّ واعتضاد (مِنْ لَدُنْكَ) تأكيد لكونه وليا مرضيا ، بكونه مضافا إلى الله تعالى وصادرا من عنده ، وإلا ـ فهب لي وليا يرثني ـ كاف ، أو أراد اختراعا منك بلا سبب لأنى وامرأتى لا نصلح للولادة (يَرِثُنِي وَيَرِثُ) الجزم جواب الدعاء ، والرفع صفة. ونحوه (رِدْءاً يُصَدِّقُنِي) وعن ابن عباس والجحدري : يرثنى وارث آل يعقوب ، نصب على الحال. وعن الجحدري : أو يرث ، على تصغير وارث ، وقال : غليم صغير. وعن على رضى الله عنه وجماعة : وارث من آل يعقوب : أى يرثني به وارث ، ويسمى التجريد في علم البيان ، والمراد بالإرث إرث الشرع والعلم ، لأنّ الأنبياء لا تورّث المال. وقيل يرثني الحبورة وكان حبرا ، ويرث من آل يعقوب الملك. يقال : ورثته وورثت منه لغتان. وقيل «من» للتبعيض لا للتعدية ، لأنّ آل يعقوب لم يكونوا كلهم أنبياء ولا علماء ، وكان زكريا عليه السلام من نسل يعقوب بن إسحاق. وقيل : هو يعقوب بن ماتان أخو زكريا. وقيل : يعقوب هذا وعمران أبو مريم أخوان من نسل سليمان بن داود.
(يا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا)(٧)
(سَمِيًّا) لم يسمّ أحد بيحيى قبله ، وهذا شاهد على أنّ الأسامى السنع جديرة بالأثرة ، وإياها كانت العرب تنتحى في التسمية لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النبز ، حتى قال القائل في مدح قوم :
سنع الأسامى مسبلى أزر |
|
حمر تمس الأرض بالهدب (١) |
وقال رؤبة للنسابة البكري ـ وقد سأله عن نسبه ـ : أنا ابن العجاج ، فقال : قصرت وعرفت. وقيل : مثلا وشبيها عن مجاهد ، كقوله (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) وإنما قيل للمثل «سمىّ» لأنّ كل متشاكلين يسمى كل واحد منهما باسم المثل والشبيه والشكل والنظير ، فكل واحد منهما سمىّ لصاحبه ، ونحو «يحيى» في أسمائهم «يعمر ، ويعيش» إن كانت التسمية عربية ، وقد سموا بيموت أيضا ، وهو يموت ابن المزرع ، قالوا : لم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط ، وأنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر ، وأنه كان حصورا.
__________________
(١) يقال سنع الرجل كظرف ، فهو سنيع أى جميل ، وأسنع ، والمرأة سنعاء ، وسنع جمع أسنع : أى أسماؤهم حسنة ، فهي أنبه وأنوه وأنزه عن النبز ، والحمر : صفة الأزر ، وتمس : صفة أخرى لها. وهدب الشيء : طرفه ، والمناسب للمعنى أن المراد به الجمع ، ويمكن أن يكون ضمنه مفردا كقفل ، وجمعا كفلك. ويجوز أنه اسم جمع ، ولذلك جاء في واحده هدية. ومس الأرض بالأطراف : كناية عن طولها ، بل عن غناهم وثروتهم اللازم له ذلك.