(قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) (٨)
أى كانت على صفة العقر حين أنا شاب وكهل ، فما رزقت الولد لاختلال أحد السببين ، أفحين اختل السبيان جميعا أرزقه؟ فإن قلت : لم طلب أو لا وهو وامرأته على صفة العتىّ والعقر (١) ، فلما أسعف بطلبته استبعدوا واستعجب؟ قلت : ليجاب بما أجيب به ، فيزداد المؤمنون إيقانا ويرتدع المبطلون ، وإلا فمعتقد زكريا أولا وآخرا كان على منهاج واحد : في أنّ الله غنى عن الأسباب ، أى بلغت عتيا : وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود القاحل (٢). يقال : عتا العود وعسا من أجل الكبر والطعن في السن العالية. أو بلغت من مدارج الكبر ومراتبه ما يسمى عتيا. وقرأ ابن وثاب وحمزة والكسائي بكسر العين ، وكذلك صليا ، وابن مسعود بفتحهما (٣) فيهما. وقرأ أبىّ ومجاهد : عسيا (٤).
(قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً)(٩)
(كَذلِكَ) الكاف رفع ، أى الأمر كذلك تصديق له ، ثم ابتدأ (قالَ رَبُّكَ) أو نصب بقال ، وذلك إشارة إلى مبهم يفسره (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) ونحوه (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) وقرأ الحسن : وهو على هين ، ولا يخرج هذا إلا على الوجه الأول : أى الأمر كما قلت ، وهو على ذلك يهون على. ووجه آخر : وهو أن يشار بذلك إلى ما تقدم من وعد الله ، لا إلى قول زكريا. و «قال» محذوف في كلتا القراءتين : أى قال هو علىّ هين قال وهو علىّ هين ، وإن شئت لم تنوه ، لأن الله هو المخاطب ، والمعنى أنه قال ذلك ووعده
__________________
(١) قال محمود : «ان قلت لم طلب أو لا وهو وامرأته على صفة العتي ... الخ» قال أحمد : وفيما أجاب به نظر ، لأنه التزم أن زكريا استبعد ما وعده الله عز وجل بوقوعه ، ولا يجوز للنبي النطق بما لا يسوغ ، لمثل هذه الفائدة التي عينها الزمخشري ويمكن حصولها بدونه ، فالظاهر في الجواب ـ والله أعلم ـ أن طلبة زكريا إنما كانت ولدا من حيث الجملة ، وبحسب ذلك أجيب ، وليس في الاجابة ما يدل على أنه يولد له وهو هرم ، ولا أنه من زوجته وهي عاقر ، فاحتمل عنده أن يكون الموعود وهما بهذه الحالة ، واحتمل أن تعاد لهما قوتهما وشبابهما ، كما فعل الله ذلك لغيرهما. أو أن يكون الولد من غير زوجته العاقر ، فاستبعد الولد منهما وهما بحالهما ، فاستخبر أيكون وهما كذلك ، فقيل : كذلك ، أى : يكون الولد وأنتما كذلك ، فقد انصرف الإيعاد إلى عين الموعود فزال الاشكال ، والله أعلم.
(٢) قوله «كالعود القاحل» أى اليابس ، كذا في الصحاح. (ع)
(٣) قوله «بفتحهما» لعله بفتحها. (ع)
(٤) قوله «عسيا» في الصحاح : عسى الشيخ يعسو عسيا : ولى وكبر ، مثل عتا. (ع)