وقوله الحق (شَيْئاً) لأن المعدوم ليس بشيء. أو شيئا يعتدّ به (١) ، كقولهم : عجبت من لا شيء ، وقوله :
إذا رأى غير شيء ظنّه رجلا (٢)
وقرأ الأعمش والكسائي وابن وثاب : خلقناك.
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا)(١٠)
أى اجعل لي علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به. قال : علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه ، وأنت سليم الجوارح سوىّ الخلق ، ما بك خرس ولا بكم. دل ذكر الليالي هنا ، والأيام في آل عمران ، على أن المنع من الكلام استمر به ثلاثة أيام ولياليهن.
(فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا)(١١)
أوحى : أشار عن مجاهد ، ويشهد له (إِلَّا رَمْزاً). وعن ابن عباس : كتب لهم على الأرض (سَبِّحُوا) صلوا ، أو على الظاهر ، وأن : هي المفسرة.
(يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(١٢)
أى خذ التوراة بحد واستظهار بالتوفيق والتأييد (الْحُكْمَ) الحكمة. ومنه :
واحكم كحكم فتاة الحي (٣)
__________________
(١) قال محمود : «إنما قيل ذلك لأن المعدوم ليس بشيء أو شيئا يعتد به ... الخ» قال أحمد : قسر أولا على ظاهر النفي الصرف وهو الحق ، لأن المعدوم ليس شيئا قطعا ، خلافا للمعتزلة في قولهم : إن المعدوم الممكن شيء.
ومن ثم كافح الزمخشري عن البقاء على التفسير الأول إلى الثاني بوجه من التأويل يلائم معتقد المعتزلة. فجعل المنفي الشيئية المعتد بها ، وإن كانت الشيئية المطلقة ثابتة عنده للمعدوم ، والحق بقاء الظاهر في نصابه.
(٢) وضاقت الأرض حتى كان هاربهم |
|
إذا رأى غير شيء ظنه رجلا |
يقول : وضاقت الأرض على أعدائنا ، لأن كل مسلك يريدونه يظنون أحدا منا فيه فيرجعون ، فاستعير الضيق الحسى لذلك على طريق التصريح ، حتى كان الهارب منهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا منا ، فيرجع خوفا ، والشيء هو الموجود وغيره هو المعدوم ، ولكن استعير للشيء الحقير التافه لعدم الاعتداد بكل على طريق التصريح ، وذلك ليصح وقوع الرؤية عليه.
(٣) واحكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت |
|
إلى حمام سراع وارد الثمد |
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا |
|
إلى حمامتنا ونصفه فقد |
فحبسوه فألفوه كما وجدت |
|
ستا وستين لم تنقص ولم تزد |
للنابغة واسمه زياد ، يخاطب النعمان بن المنذر ، والفتاة : زرقاء اليمامة التي يضرب بها المثل في حدة البصر ، نظرت إلى حمام مسرع إلى الماء فقالت : ليت الحمام ليه. إلى حمامتيه. ونصفه قديه. ثم الحمام مية. فوقع في شبكة ـ