حقا من باطل. وإرشادا ، لأنهم كانوا يخبطون في ضلال (وَرَحْمَةً) لأنهم لو عملوا بها وصلوا إلى نيل الرحمة (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) إرادة أن يتذكروا. شبهت الإرادة بالترجى فاستعير لها. ويجوز أن يراد به ترجى موسى عليه السلام (١) لتذكرهم ، كقوله تعالى (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ).
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ)(٤٤)
(الْغَرْبِيِ) المكان الواقع في شق الغرب ، وهو المكان الذي وقع فيه ميقات موسى عليه السلام من الطور وكتب الله له في الألواح. والأمر المقضى إلى موسى عليه السلام : الوحى الذي أوحى إليه ، والخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : وما كنت حاضرا المكان الذي أوحينا فيه إلى موسى عليه السلام ، ولا كنت (مِنَ) جملة (الشَّاهِدِينَ) للوحى إليه ، أو على الوحى إليه ، وهم نقباؤه الذين اختارهم للميقات ، حتى تقف من جهة المشاهدة على ما جرى من أمر موسى عليه السلام في ميقاته. وكتبة التوراة له في الألواح ، وغير ذلك.
(وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَما كُنْتَ ثاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا وَلكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) (٤٥)
فإن قلت : كيف يتصل قوله (وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً) بهذا الكلام؟ ومن أى وجه يكون استدراكا له؟ قلت : اتصاله به وكونه استدراكا له ، من حيث أن معناه : ولكنا أنشأنا بعد عهد الوحى إلى عهدك قرونا كثيرة (فَتَطاوَلَ) على آخرهم : وهو القرن الذي أنت فيهم (الْعُمُرُ) أى أمد انقطاع الوحى واندرست العلوم ، فوجب إرسالك إليهم ، فأرسلناك وكسبناك (٢) العلم بقصص الأنبياء وقصة موسى عليهم السلام ، كأنه قال : وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ، ولكنا أوحينا إليك. فذكر سبب الوحى الذي هو إطالة الفترة ، ودلّ به على المسبب على عادة الله عز وجل في اختصاراته ، فإذا هذا الاستدراك شبيه الاستدراكين بعده (وَما كُنْتَ ثاوِياً) أى مقيما (فِي أَهْلِ مَدْيَنَ) وهم شعيب والمؤمنون به (تَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا) تقرؤها عليهم تعلما منهم ، يريد : الآيات التي فيها قصة شعيب وقومه ،
__________________
(١) قال محمود : «معناه إرادة تذكرهم ، لأن الارادة تشبه الترجي ، فاستعير لها. أو يراد به ترجى موسى عليه السلام» قال أحمد : الوجه الثاني هو الصواب ، واحذر الأول فانه قدرى.
(٢) قوله «وكسبناك العلم» كسب يتعدى إلى مفعولين ، فيقال : كسبت أهلى خيرا ، وكسبت الرجل مالا ، كما في الصحاح. (ع)