ولكنا أرسلناك وأخبرناك بها وعلمناكها.
(وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَلكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ)(٤٦)
(إِذْ نادَيْنا) يريد مناداة موسى عليه السلام ليلة المناجاة وتكليمه ، و (لكِنْ) علمناك (رَحْمَةً) وقرئ : رحمة ، بالرفع : أى هي رحمة (ما أَتاهُمْ) من نذير في زمان الفترة بينك وبين عيسى وهي خمسمائة وخمسون سنة ، ونحوه قوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ).
(وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٤٧)
(لَوْ لا) الأولى امتناعية وجوابها محذوف ، والثانية تحضيضية ، وإحدى الفاءين للعطف ، والأخرى جواب لو لا ، لكونها في حكم الأمر ، من قبل أن الأمر باعث على الفعل ، والباعث والمحضض من واد واحد. والمعنى : ولو لا أنهم قائلون إذا عوقبوا بما قدّموا من الشرك والمعاصي : هلا أرسلت إلينا رسولا ، محتجين علينا بذلك : لما أرسلنا إليهم ، يعنى : أن إرسال الرسول إليهم إنما هو ليلزموا الحجة ولا يلزموها ، كقوله (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ، (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ) ، (لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ). فإن قلت : كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول ، لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلت : القول هو المقصود بأن يكون سببا لإرسال الرسل ، ولكن العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها ، جعلت العقوبة كأنها سبب الإرسال بواسطة القول ، فأدخلت عليها لو لا ، وجيء بالقول معطوفا عليها بالفاء المعطية معنى السببية (١) ، ويؤول معناه إلى قولك : ولو لا قولهم هذا إذا أصابتهم
__________________
(١) قال محمود : «لو لا الأولى امتناعية ، والثانية تحضيضية. والفاء الأولى عاطفة والثانية جواب لو لا. والمعنى : لو لا أنهم قائلون إذا عوقبوا : لو لا أرسلت إلينا رسولا ، محتجين بذلك لما أرسلت إليهم أحدا. فان قلت : كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة سببا في الإرسال لا القول ، لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟ قلت : العقوبة سبب القول ، وهي سبب السبب ، فجعلت سببا وعطف السبب الأصلى عليها بالفاء السببية» قال أحمد :وذلك مثل قوله تعالى (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى) والسر في جعل سبب السبب سببا ، وعطف السبب الأصلى عليه أمران ، أحدهما : أن مزيد العناية يوجب التقديم ، وهذا هو السر الذي أبداه سيبويه. الثاني أن في هذا النظم تنبيها على سببية كل واحد منهما : أما الأول فلاقترانه بحرف التعليل ، وهو «أن» وأما الثاني ، فلاقترانه بفاء السبب ، ولا يتعاطى هذا المعنى إلا من قولك (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ) لا من قول القائل : أن ـ