وإن رجعت الواو في سيكفرون ويكونون إلى المشركين ، فإن المعنى : ويكونون عليهم ـ أى أعداءهم ـ ضدا ، أى : كفرة بهم ، بعد أن كانوا يعبدونها.
(أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّياطِينَ عَلَى الْكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا)(٨٣)
الأز ، والهزّ ، والاستفزاز : أخوات ، ومعناها التهييج وشدة الإزعاج ، أى : تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات. والمعنى : خلينا بينهم وبينهم (١) ولم نمنعهم ولو شاء لمنعهم قسرا. والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة والمردة من الكفار ، وأقاويلهم ، وملاحتهم ، ومعاندتهم للرسل ، واستهزاؤهم بالدين : من تماديهم في الغىّ وإفراطهم في العناد ، وتصميمهم على الكفر ، واجتماعهم على دفع الحق بعد وضوحه وانتفاء الشكّ عنه ، وإنهما كهم لذلك في اتباع الشياطين وما تسوّل لهم ،
(فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا)(٨٤)
عجلت عليه بكذا : إذا استعجلته منه ، أى : لا تعجل عليهم بأن يهلكوا ويبيدوا ، حتى تستريح أنت والمسلمون من شرورهم ، وتطهر الأرض بقطع دابرهم ، فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلا أيام محصورة وأنفاس معدودة ، كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لو عدت. ونحوه قوله تعالى (وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ) ، (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ ما يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا ساعَةً مِنْ نَهارٍ) وعن ابن عباس رضى الله عنه : أنه كان إذا قرأها بكى وقال : آخر العدد خروج نفسك ، آخر العدد فراق أهلك ، آخر العدد دخول قبرك. وعن ابن السماك أنه كان عند المأمون فقرأها ، فقال : إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد ، فما أسرع ما تنفد.
(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً)(٨٥)
نصب (يَوْمَ) بمضمر ، أى يوم (نَحْشُرُ) ونسوق : نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف. أو اذكر يوم نحشر. ويجوز أن ينتصب بلا يملكون. ذكر المتقون بلفظ التبجيل ، وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته وخصهم برضوانه وكرامته ، كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم. وعن علىّ رضى الله عنه : ما يحشرون والله على أرجلهم ، ولكنهم على نوق رحالها ذهب ، وعلى نجائب سروجها ياقوت (٢).
__________________
(١) قوله «والمعنى خلينا بينهم وبينهم» هذا هو الموافق لمذهب المعتزلة ، من أنه تعالى لا يفعل الشر. أما على مذهب أهل السنة من أنه تعالى يفعل الشر كالخير ، فالمناسب : سلطناهم عليهم. (ع)
(٢) أخرجه ابن أبى شيبة وعبد الله بن أحمد في زيادات المسند ، والطبري وابن أبى حاتم من رواية عبد الرحمن ـ