(وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً)(٨٦)
وذكر الكافرون بأنهم يساقون إلى النار بإهانة واستخفاف كأنهم نعم عطاش تساق إلى الماء. والورود : العطاش لأنّ من يرد الماء لا يرده إلا لعطش وحقيقة الورد : المسير إلى الماء ، قال :
ردى ردى ورد قطاة صمّا |
|
كدريّة أعجبها برد الما (١) |
فسمى به الواردون. وقرأ الحسن : يحشر المتقون ، ويساق المجرمون.
(لا يَمْلِكُونَ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً)(٨٧)
الواو في (لا يَمْلِكُونَ) إن جعل ضميرا (٢) فهو للعباد ، ودل عليه ذكر المتقين والمجرمين لأنهم على هذه القسمة. ويجوز أن تكون علامة للجمع ، كالتي في «أكلونى البراغيث» والفاعل (مَنِ اتَّخَذَ) لأنه في معنى الجمع ، ومحل (مَنِ اتَّخَذَ) رفع على البدل ، أو على الفاعلية. ويجوز أن ينتصب على تقدير حذف المضاف ، أى : إلا شفاعة من اتخذ. والمراد : لا يملكون أن يشفع لهم ، واتخاذ العهد : الاستظهار بالإيمان والعمل. وعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه ذات يوم : «أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا» قالوا : وكيف ذلك؟ قال : «يقول كل صباح ومساء : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إنى أعهد إليك بأنى أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا
__________________
ـ ابن إسحاق بن النعمان بن سعد بن على نحوه ، وأخرجه ابن أبى داود في كتاب البعث من هذا الوجه مرفوعا. ورواه ابن عدى من حديث ابن عباس رضى الله عنهما مرفوعا أيضا.
(١) يخاطب ناقته. وردى : أمر من الورود ، وتكريره للتوكيد. والورد : اسم مصدر منه أيضا ، أو اسم للماء المورود ، أى : ردى الماء كورود قطاء صماء لا تسمع صوت القانص فلا تنفر عن الماء : والكدر ـ بالضم ـ نوع من القطار مادى اللون ، والكدرية : نسبة إليه ، من نسبة الجزئى إلى كليه ، وهذه الياء هي الفارقة بين اسم الجنس وواحده ، كروم ورومي. وفيه تشبيه ناقته ضمنا بالقطاة في الخفة والسرعة. وصما والما : بالقصر ، فان رويا بالمد والسكون على أن الشعر من مشطور المنسرح الموقوف ، فمحله حرف الألف.
(٢) قال محمود : «يحتمل أن تكون الواو في لا يملكون ضميرا ... الخ» قال أحمد : وفي هذا الوجه تعسف من حيث أنه إذا جعله علامة لمن فقد كشف معناها وأفصح بأنها متناولة جمعا ، ثم أعاد على لفظها بالافراد ضمير اتخذ ، ففيه الاعادة على لفظها بعد الاعادة على معناها بما يخالف ذلك ، وهو مستنكر عندهم لأنه إجمال بعد إيضاح ، وذلك تعكيس في طريق البلاغة ، وإنما محجتها الواضحة الإيضاح بعد الإجمال. والواو على إعرابه ، وإن لم تكن عائدة على من إلا أنها كاشفة لمعناها كشف الضمير العائد له ، فتنبه لهذا العقد ، فانه أروج من النقد :
وفي عنق الحسناء يستحسن العقد